|
||
على سبيل المثال:
إن نظير الجمهور الأسود في الولايات المتحدة هو الجمهور الشرقي في إسرائيل. إنه لا ينتمي إلى شعب آخر، كالمواطنين العرب، بل ينتمي إلى شعب الأغلبية، الجمهور الوطني الذي يعتبر نفسه مجحف بحقوقه، جمهور المواطنين من الدرجة الثانية. لكي يكون نظيرا تاما لأوباما، يتوجب على المرشح أن يكون نصف شرقي ونصف شكنازي، على أن يكون الجزء الشرقي من شخصيته أقوى من الغربي. لقد كنّيت ذات مرة الأشخاص من أصل شرقي-شكنازي مختلط باسم "أشكراديم" (شكناز- سفاراديم). لم يتم تذويت هذا المصطلح، على الرغم من أنه قد أصبح لدينا اليوم آلاف النساء والرجال الذين يلائمون هذا التعريف. وبالفعل، أوباما الإسرائيلي سيكون شرقيا، من أصل مختلط. لتسهيل الأمور سأسميه باسم مستعار: "براك حسون عوفاديا".
كان أول إنجاز أحرزه أوباما هو تجنيد ملايين الناخبين، كثيرون منهم من الشباب، وقد سئموا السياسيين الآخرين. لقد أثار حماسهم، دب النشاط فيهم للانضمام إلى العملية السياسية وحوّلهم إلى نشطاء، إلى متبرعين وإلى مجنّدين. لقد أثبت أمرا هاما لا مثيل له: أن هذا الجمهور الواسع لم يملّ من السياسة، كما كان يبدو، بل ملّ من السياسيين. لقد أدركوا أنه لا يوجد فرق حقيقي بين أعضاء الأحزاب المختلفة، المتهكمين، الذين يركضون وراء السلطة ومعظمهم يركض وراء المال. حين رأوا سياسيا من نوع آخر، رفعوه على أكتافهم. هذا ما نحتاجه بالضبط. لقد أثبتت التجربة الأخيرة في تل أبيب أن الأمر ممكن. حين يظهر على الحلبة زعيم من نوع جديد، لا يشبه السياسيين القدامى، فقد يتبعه الناخبون. الإسرائيليون هم شعب سياسي، ربما يكونون كذلك أكثر من أي شعب آخر. ولكن الإسرائيليين قد تعبوا من السياسيين الذين يعرفونهم. إنهم يرون أنه لا يوجد فرق حقيقي بن زعماء الأحزاب الثلاثة الرئيسية، بين رئيس الحكومة الذي يتولى منصبه حاليا والمرشحين الثلاثة الآخرين لرئاسة الحكومة. إنهم يؤمنون أن "كلهم نفس الشيء"، وأن زعماء الأحزاب الصغيرة لا يختلفون كثيرا. لا فرق بينهم في الطابع، لا يوجد فرق حقيقي في رسائلهم الموجهة للجمهور. إنهم لا يذهبون للتصويت، أو أنهم يصوتون بهدف الإغضاب ويمنحون أصواتهم إلى قائمة نصف فكاهية، مثل حزب المتقاعدين في الانتخابات الأخيرة. يجب على "براك عوفاديا" أن يشق طريقه إلى قلوب ورؤوس مئات الآلاف هؤلاء، عليه أن يمنحهم الأمل والدافع، أن يقنعهم بأنه يمكن تغيير كل شيء تغييرا جذريا، وأن يحمّسهم على التجنّد لتغيير الحلبة السياسية في إسرائيل.
كان الإنجاز الثاني الأهم لبراك أوباما هو نجاحه في إقامة ائتلاف جديد بين جماهير مختلفة – البيض، السود، الهسبانيين، الأيديولوجيين الخضر، اللبراليين، ذوي الضمير الاجتماعي، المثليين والمثليات، وفي المرحلة الأخيرة النساء النسويات اللواتي ينادين بالمساواة بين الجنسين. هذه القدرة على بناء مثل هذا الائتلاف هو أمر حيوي لبراك عوفاديا. لا تحتاج إسرائيل إلى حزب بهلواني آخر يمثل السفهاء الذين ينادون بقضية واحدة فقط. لهذا الهدف توجد جهات خارج برلمانية، كل منها تعمل في مجالها الخاص وتركز على موضوع معين. الحزب السياسي، الذي يحاول تغيير الحلبة السياسية وتوجيه الدولة إلى أفق جديد، يجب أن يبلور أغلبية حول رسالة تُعنى بجميع مجالات الحياة الخاصة بالدولة وبالمواطن. هذا أصعب بكثير في إسرائيل مما هو عليه في الولايات المتحدة. نظام الحكم الأمريكي، الذي يرتكز إلى حزبين كبيرين، يشجع التجمعات الكبيرة. أما نظام حكمنا فيشجع الانفصال إلى قوائم صغيرة، أحزاب تتمحور حول موضوع واحد. يتم إقامة الائتلاف بعد الانتخابات فقط ، حين يكون التشديد على ما يفصل ويحدث الشقاق وليس على ما هو مشترك وما يوحّد. يكفي أن نفكر بشاس. بهدف إحلال التغيير الكبير، هناك حاجة إلى معسكر سياسي كبير وقوي. على عاتق عوفاديا ملقاة مهمة تركيب ائتلاف كبير قبل الانتخابات. هذا هو العمل الأول الذي يتوجب عليه القيام به في إقامة حزبه الجديد، أو السيطرة على حزب قائم وتغيير وجهه تغييرا جذريا، كما فعل أوباما. ماذا ستكون مكوّنات هذه القوة الجديدة؟ جماهير الأجيال الشابة الشكنازية والشرقية، الجمهور "الاجتماعي"، المواطنون العرب، الجمهور الروسي، الخضر، العلمانيون، المتدينين المتحررين، جمهور المثليين والمثليات، النساء الداعيات للمساواة، وبطبيعة الحال نشطاء السلام. حتى هركوليس كان سيتخوف من مثل هذا الهدف. لأسباب لا يمكن تفصيلها هنا، نشأ شرخ عميق بين الداعين إلى المصالحة والسلام مع الشعب الفلسطيني، والذين ينتمي معظمهم إلى النخبة الشكنازية، وبين الجهور الواسع من اليهود الشرقيين، الذين ينتمي يصوت معظمهم إلى جانب الأحزاب اليمينية القديمة، بخلاف تام لمصالحهم الاقتصادية. الجمهور الروسي معزول، يعاني من النفور والمرارة. إنه يعيش في بوتقة، ومعظم المتحدثين باسمه هم من اليمينيين-الوطنيين-العنصريين. الجمهور الكبير غير المتدين، الذي ينفر من المؤسسة الدينية المهيمنة والرسالة العنصرية المتطرفة التي يتفوه بها معظم المتحدثين المتدينين، لا يوجد لديه من يصوت له. حتى ميرتس قد خفضت هذه الراية منذ زمن بعيد إلى النصف. (لقد صوت العلمانيون، في الانتخابات البلدية في القدس، حين لم يكن لديهم خيار آخر، إلى جانب عنصري غير متدين). هل يمكن الوصل بين كل هذه الرسائل، التي تبدو مختلفة عن بعضها البعض؟ بين مكافحة الفساد والاهتمام بالبيئة، التطلع إلى السلام العادل والتطلع إلى العدل الاجتماعي، المطالبة بالمساواة للمواطنين العرب وللمواطنين القادمين من روسيا (اليهود وغير اليهود)، مساواة المرأة وحقوق المثليين والمثليات، المطالبة بفصل الدين عن الدولة والتشبث بحقوق المواطن، الوطنية الإسرائيلية والقيم الإنسانية عامة. الإجابة بشكل عام: نعم بالتأكيد! تنبع كل هذه التطلعات من نفس المنبع: التطلع إلى العدل، المجتمع السليم، الدولة التي يكون من الممتع العيش فيها، الدولة التي يمكن الاعتزاز بها. هل هذا ممكن؟ هناك من يعتقد أنه إذا تم ذكر كلمة "فلسطينيين"، فسيفرّ جميع الناخبين. أو أن أصل المرشح الشرقي سوف يجعل جميع أبناء النخبة الشكنازية يفرّون. أو أن الروس سوف يرتدعون من العرب. أنا واثق من أن الأمر ممكن بالفعل - شريطة أن تكون الرسالة الرئيسية مقنعة بما فيه الكفاية، إذا كانت متوازنة وكانت تشدد على ما هو موحّد، وإذا كان كل هدف من الأهداف يحتل مكانه اللائق في الرسالة العامة، وإذا كان من الواضح أن كل الأمور متعلقة ببعضها البعض. (قبل 43 عاما، جرت بالفعل مثل هذه المحاولة، من قبل مقيمي "حركة هعولام هازيه - قوة جديدة"، الذين نجحوا في الدخول إلى الكنيست، وكان هذا الإنجاز يُعتبر، حتى ذلك الوقت، أمرا غير ممكن. ولكنهم قد سبقوا زمانهم بكثير، وقد تلاشى هذا الجهد). هذا الارتباط ليس ميكانيكيا. يجب أن يُشمل في رسالة كبيرة واحدة، ترق لها القلوب. رسالة عصامية، إنسانية، تتوجه إلى الشعور وإلى العقل على حد سواء. لقد فعل أوباما ذلك في أمريكا. يجب على عوفاديا أن يفعل ذلك في إسرائيل.
يوجد في أوباما دمج نادر جدا. كان مرشحا يكاد يكون كاملا. إنه جديد. هو غير ملوث بالفساد. إنه خطيب فذ، يقنع في كل كلمة يتفوه بها. إنه لا يكبو في أية مرة. حتى ولا على وقع الضغوط الهائلة. آراؤه محسوبة ومتزنة. إنه غير متسرّع. يبدو أن حياته الشخصية لا تشوبها شائبة. تشعّ منه السكينة. إنه يعيش حياة متواضعة. لقد أثبت جرأة شخصية وأخلاقية حين كان بين القلائل الذين وقفوا ضد الحرب على العراق منذ اللحظة الأولى. (كم هو عدد الأشخاص الذين عارضوا، منذ اللحظة الأولى، حرب لبنان الأولى أو الثانية؟) رسالته موحّدة، ولا تُحدث الشقاق. إنه ليس إنسانا مقابلي، كمعظم السياسيين. ليست لديه "غريزة فتاكة". لقد أحضر معه رسالة من الأمل، رسالة كلها إيجابية، رسالة تتيح له أن يشق طريقه إلى قلوب خصومه أيضا. إضافة إلى ذلك – يجب ألا نستهتر بالأمر - إنه شخص جميل الطلعة. مثل هؤلاء الأشخاص لا ينمون على الأشجار. ولكن هذا الدمج الذي يكاد يكون مستحيلا، بين هذه الصفات هو أمر حيوي للنجاح في المهمة التي تبدو مستحيلة. مهاتما غاندي كان كذلك. ربما يسوع الناصري أيضا. ربما هيلل الشيخ أيضا. ربما هنري الرابع ملك فرنسا أيضا. ولكن في أيامهم لم يكن التلفزيون موجودا. يمكن لهذا الأمر أن يحدث فجأة، من دون سابق إنذار، وأن يحتل الدولة دفعة واحدة. ولكن احتمال حدوث ذلك في هذه المرة، في الـ 42 يوما المتبقية حتى الانتخابات، هو أمر ضئيل جدا. ستكون الكنيست التالية، من دون شك، كتلك التي سبقتها. لن تكون قادرة على مواجهة أي مهمة من المهام الوطنية والاجتماعية الكبيرة. سوف تنهار قبل أن تصل إلى شيخوختها بكثير. يجب أن تبدأ الجهود لتأهيل الأرضية لمعسكر سياسي جديد وكبير بعد يوم واحد من الانتخابات. براك حسون عوفاديا، أين أنت؟ |