|
||
يا للعجب. أنا أعتقد خلاف ذلك. فأنا لست مستعدا لمسامحة "بيبي" أبدا واعتباره سياسيا قديرا، لأنني أرى أنه سياسي ضعيف جدا. في الواقع، بيبي ليس سياسيا أبدا. منذ بداية طريقه، أعرب والده عن رأيه في قدراته. لم تكن آراء بنتسيون نتنياهو، البروفيسور في التاريخ، الخبير بمحاكم التفتيش الإسبانيّة، فيما يتعلق بابنه الثاني جيدة. لقد كان يفضّل ابنه البكر، يوناتان، الذي قُتل في عملية إنتيبي. بالمناسبة أعتقد وفق رأيي المتواضع، أن هذه الحقيقة تشكل مصدر المشاكل الكبيرة لدى بيبي. سياسيا، كان بنتسيون اليمينيّ الأكثر تطرفا، واحتقر زئيف جابوتنسكي، الزعيم اليميني الصهيوني اللامع، وطالبه مناحم بيجن. فلم ينل كلاهما إعجابه. لقد شعر بنتسيون أن مواهبه لا تحظى باهتمام كبير في إسرائيل. لهذا انتقل للعيش في الولايات المتحدة التي ترعرع فيها أولاده. قال عن بيبي: "يمكن أن يكون وزير خارجية جيدا، ولكن ليس رئيس حكومة". لم تُذكر أقوال صحيحة أكثر من هذه عن بيبي أبدا. نتنياهو هو وزير خارجية جيد. فهو يتحدث الإنجليزية الأمريكية بشكل ممتاز، ولكن ليس مطلعا على آدابها جيدا مثل سابقه، أبا إيبان. قال إيبان عن دافيد بن غوريون: "إنه قادر على إلقاء خطابات ممتازة، ولكن يجب إبلاغه بما عليه قوله". بيبي هو ممثل ممتاز. فهو يعرف كيف عليه التصرف مع كبار المسؤولين في العالم. ظهوره في المؤتمرات الدولية مثيرا للاهتمام، ولكنه يستخدم وسائل تحايل لم يكن من الممكن أن يستخدمها مخاطب مثل تشرتشل أبدا. يعمل في وقتنا الحالي وزير الخارجية كبائع متجول لدولة إسرائيل. لقد كان بيبي وكيل متجول لشركة أثاث. منذ أن أصبحت السفريات حول العالم سهلة، بدأ يشغل وزراء الخارجية وظائف كثيرة كان يشغلها في الماضي السفراء. ولكن وفق ما قاله والد بيبي عنه بشكل ثاقب جدا في حينه، هناك فارق كبير بين مهام وزير الخارجية ومهام رئيس الحكومة. فوزير الخارجية ينفذ السياسة، أما رئيس الحكومة هو الذي يضعها. رئيس الحكومة المثالي هو الشخص الذي يعرف ما هي احتياجات دولته - ليس اليوم فحسب، بل في الماضي أيضا. تشمل رؤياه كل احتياجات الدولة، وتشكل العلاقات الخارجية جزءا واحدا منها فقط، ولكنها ليست العامل الأهم. فهو يرى وجهة النظر الاجتماعية، الاقتصادية، الثقافية، والعسكرية المتعلقة برؤياه. عرف بنتسيون نتنياهو أن ابنه بيبي لا يتمتع بهذه القدرات. إن الظهور الحسن لا يكفي، لا سيما إذا كان زعيم دولة لديها مشاكل كثيرة، داخلية وخارجية، مثل دولة إسرائيل. عندما يفكر الأفراد بالرئيس فرانكلين روزفلت يتذكرون أقواله: "ليس لدينا ما نخافه سوى من الخوف ذاته". وعندما يفكرون في ونستون تشرتشل يتذكرون أقواله: "لم يكن هناك ذات مرة الكثيرون المدينون جدا للقلائل". عندما نفكر بنيامين نتنياهو أية أقوال نتذكر؟ نتذكر: "لن يحدث شيء لأنه لم يحدث شيء" - هذه الأقوال تتعلق بقضايا الفساد الكثيرة المتورط بها نتنياهو. أهم ما يشغل بال نتنياهو بين التحقيقات الجنائية هو التنزه مع زوجته سارة خارج البلاد والالتقاء مع كبار زعماء العالم. فخلال أسبوع يزور الرئيس ماكرون في باريس، وفي الأسبوع القادم يزور الرئيس بوتين في موسكو، وبينهما يزور دولة إفريقية أو دولتين. ما الذي يحققه في كل هذه الزيارات؟ لا شيء يجدر الحديث عنه. ولكن هذه الخطوات خداعية جدا، لهذا تمس بأهم الأسس اليهودية. طيلة أجيال كثيرة، كانت الجاليات اليهودية عديمة القدرة في الكثير من الدول الغربية والشرقية على حد سواء. كان اليهود متعلقين كثيرا بحسنات اللورد، الدوق، أو السلطان. بهدف التمتع بأعماله الخيرية، تحمل أحد أبناء الجالية، غالبا من الأغنياء، مسؤولية التملق للحاكم، رشوته، للتمتع بأعماله الخيرية. أصبح هذا اليهودي ملك اليهود، وحظي باحترام كل أبناء الجالية. ورث بيبي هذه التقاليد إلى حد معين. لم يحب أحد أبا إيبان، والذين كانوا يحترمونه لم يحبوه شخصيا، ولم يعتبروه إسرائيليا، ولا رجلا حقيقيا. ولكن تختلف مكانة بيبي بين الجمهور تمامًا. لقد خدم في الماضي ضابطا في وحدة "سيرت" وهو رجل حقيقي. يبدو كما يجدر بإسرائيلي أن يظهر. فهو مثالي. ولكن إذا سُئل أحد مؤيديه ما الذي حققه بيبي في الإثني عشرة عاما منذ توليه منصب رئيس الحكومة، فلا يمكنه ذكر أي شيء. أعلن دافيد بن غوريون عن إقامة دولة إسرائيل. وقّع مناحم بيجن على اتفاقية سلام مع مصر. عُقد في عهد إسحاق رابين اتّفاق أوسلو. ولكن ماذا فعل بيبي؟ رغم هذا يقدر مواطنو إسرائيل بيبي جدا. لهذا هم مستعدون لمسامحته على قضايا الفساد بدءا من قضية هدايا السيجار الكوباني الأعلى ثمنا التي حصل عليها من الأغنياء، وانتهاء بالرشاوى المالية التي قد تصل إلى مئات ملايين الدولارات. ما أهمية ذلك؟ إن تركيبة المجتمع التي تؤلف هذا المعسكر أغرب بكثير. فهم من اليهود الشرقيين، الذين يشعرون بالازدراء، الإحباط، والتمييز ضدهم في قضايا مختلفة. من المسؤول؟ النخبة الشكنازيّة "البيض". ولكن ليس هناك شكنازيّ وأبيض أكثر من بيبي. لم يجد أي شخص حلا لهذا اللغز. إذا، ما هي "رؤيا" بيبي المستقبلية؟ كيف ستصمد إسرائيل في الأجيال القادمة بصفتها دولة استعمارية، محاطة بدول عربية وإسلامية قد تتحد ضدها يوما ما؟ وكيف ستسيطر طيلة فترة طويلة على ملايين المواطنين العرب في الضفة الغربية وقطاع غزة، ناهيك عن القدس الشرقية، التي فيها مواقع مقدسة لمليار ونصف مليار مسلم في أنحاء العالم؟ يبدو أن الإجابة لدى بيبي هي "لا تفكروا، ليس من المهم، تابعوا طريقكم ببساطة!". وفق اعتقاده الحل هو "عدم الحل". يجب متابعة ما يُطبق على أية حال: سحب حقوق الفلسطينيين الوطنية والشخصية، إقامة مستوطنات بشكل منتظم ولكن بحذر، وإضافة إلى ذلك يجب الحفاظ على الوضع الحالي. بيبي هو رجل حذر، وغير قادر على أن يكون جريئا. يرغب معظم مؤيديه بضم جزء أو كل الضفة الغربية حالا. ولكن بيبي لا يتسرع. ما الفائدة من التسرع؟ لكن لا يشكل الحفاظ على الوضع الراهن حلا على الأمد الطويل. ففي النهاية، يتعين على إسرائيل اتخاذ قرار: صنع السلام مع الفلسطينيين (ومع كل العالم العربي والإسلامي) أو ضم كل الأراضي المحتلة دون منح المواطَنة للسكان العرب. أي: رسميًّا، أن تكون إسرائيل دولة أبارتهايد (فصل عنصري)، وقد تصبح مع مر الأجيال دولة ثنائية القومية ذات أغلبية عربية. هذا هو حلم أضغاث لكل الإسرائيليين واليهود تقريبا. هناك رؤيا أخرى طبعا، لا يتحدث عنها أحد: الانتظار حتى فرصة حدوث نكبة أخرى مثل التي حدثت عام 1948، وطرد كل الفلسطينيين من أرض فلسطين. لكن يبدو أن هذه الفرصة لن تحدث مرة أخرى. بيبي لا يهمه. فهو يحافظ على الوضع الراهن. حقيقة أنه ليست لديه رؤيا خاصة به تشير إلى أنه يعمل وفق رؤيا والده: التخلص من العرب، والسيطرة على كل البلاد بين البحر والنهر (على الأقل) كما فعل بنو إسرائيل في الماضي. كيف سيتعامل بيبي مع قضايا الفساد ضده؟ سيعمل من أجل الصمود فقط. إن الاتهامات، المحاكم، الإدانات ليست مهمة، ما يهم هو الصمود. حتى ولو تدمر كل شيء مثل الديموقراطية، المحاكم، مؤسّسات إنفاذ القانون فهذا لا يهم بل يجب الحفاظ على الصمود. لا تناسب هذه الطريقة سياسي قدير. ولكن بيبي ليس سياسي كبير ولا صغير. أكرر اقتراحي ثانية: السماح لبيبي بأن يعترف بالتهم، ثم العفو عنه فورا. وداعا يا بيبي وحافظ على الغنائم. |