|
||
ثمة تأثير كبير لهذه الرواية على الحياة اليهودية. يشارك كل يهودي ويهودية منذ نعومة أظافرهم في حفل عشاء الفصح (ليل هسيدر). حين سيكبر هؤلاء الأولاد، سيأخذون معهم دائما، حيثما ذهبوا، تلك الذكريات من البيت اليهودي الدافئ، من الشعور بـ "معا"، من الجو الدافئ السحري، وبالإضافة إلى ذلك المغزى الظاهر والمستتر لهذا الكتاب. إن من اخترعوا حفل عشاء الفصح قبل مئات السنوات كانوا من العباقرة. تشترك فيه الحواس الخمس كلها. النظر، السمع، الشم، اللمس، والذوق. لذلك يشمل الحفل المأدبة الثابتة، شرب كؤوس النبيذ الأربع، لمس أشياء رمزية، اللعب مع الأولاد (البحث عن الأفيكومان). لذلك فإنه ينتهي بنشيد جماعي. إن التأثير المتراكم يكون ساحرًا. أكثر من أي كتاب يهودي آخر، يبلور "هغاداه" الفصح الإدراك اليهودي، الواعي وغير الواعي. هكذا في الماضي وهكذا اليوم. يؤثر هذا الكتاب على تصرفنا الجماعي وعلى السياسة الوطنية في دولتنا. ثمة طرق عديدة للتعامل مع كتاب "الهغاداه". أدب: كعمل أدبي، فإن "هغاداه" الفصح هو عمل قليل الشأن من الناحية الأدبية. إنه يفتقد إلى الجمال ويكرر النص نفسه، وهو عمل سطحي ومبتذل. يمكننا أن نستغرب ذلك. التوراة هي عمل أدبي ذو مكانية سامية، وأجزاء كثيرة منها هي مُسكِرة بالفعل. لا تستطيع ذروات الحضارة الغربية - هوميروس، شكسبير، غيته، تولستوي، منافسته. صحيح أنه لا يمكن لكتب يهودية عديدة لاحقة، مثل المشناة والتلمود، الارتقاء إلى نفس المستوى الأدبي، ولكنها، هي أيضا، تحتوي على مقاطع ذات قيمة أدبية. لا يشمل كتاب "الهغاداه" مثل هذه المقاطع. إنه برمّته، ليس رسالة أيديولوجية. تاريخ: إنه ليس كذلك أيضا. على الرغم من المزمع أن كتاب "الهغاداه" يصف الأحداث التاريخية، إلا أنه لا توجد فيه أي حقيقة تاريخية. لا يمكن أن يكون ثمة أي شك، في أيامنا هذه، بأنه لم يكن هناك خروج من مصر ذات مرة. لا الخروج من مصر ولا 40 سنة من التجوال في الصحراء، ولا احتلال أرض كنعان. كان المصريون كتّاب قهريين. لقد وصفوا كل حادث، صغير كان أو كبير. تم تحليل عشرات الآلاف من الجداول. كان من غير الممكن، بكل بساطة، أن يحدث حادث كالخروج من مصر من دون أن يبلغوا عنه بإسهاب. ليس إذا خرج 600,000، ليس إذا خرج 60,000، وليس إذا خرج 6,000. وبشكل خاص إذا غرقت في تلك الفرصة وحدة من الجيش المصري، حصان وفارسه. كذلك الأمر بالنسبة لاحتلال أرض كنعان. بسبب قلق الفراعنة الأمني الشديد، وبعد أن عانوا من صدمة اجتياح الهكسوس الذي أتى من هناك، وظفوا دائما عددًا كبيرًا من الجواسيس، المسافرين، التجار وآخرين لمتابعة ما يحدث في أرض كنعان المجاورة. لقد بلغوا عما يحدث في كل بلدة، كل الوقت. ما كان اجتياح كنعان، حتى إذا كان اجتياحًا صغيرًا، ليمرّ من دون أن يبلغوا عنه (سوى اختراقات تافهة من قبائل بدوية بين حين وآخر). علاوة على ذلك، لم تكن المدن المصرية التي تم ذكرها في التوراة موجودة في الفترة المذكورة. بالمقابل، كانت موجودة في الفترة التي تمت فيها كتابة التوراة، في القرن الأول أو الثاني قبل الميلاد. يبحث علماء آثار مسيحيون ويهود منذ أكثر من مائة عام، بشكل مكثف، عن شهادة لاحتلال أرض كنعان. لم يجدوا أي إثبات على ذلك (ولا لوجود ممالك شاؤول، داوود وسليمان). ولكن هل هذا مهم حقا؟ بالتأكيد لا! لا تستقي "الهغاداه" قوتها من حجة الصحة التاريخية. إنها أسطورة تأسر الخيال، أسطورة تشكل قاعدة لدولة كبيرة، أسطورة توجه تصرف الشعب اليهودي حتى يومنا هذا. لولا قصة الخروج من مصر، ما كانت لتكون دولة إسرائيل موجودة اليوم، وبالطبع ليس على هذه الأرض. مجد: يمكن أن نرى في قصة الخروج من مصر مثالا لكل شيء جيد وجميل في تاريخ البشرية. إنها قصة شعب صغير لا حول له ولا قوة، يتمرد على طغيان وحشي، يحطم قيوده ويحظى بوطن جديد، ويخلق خلال ذلك علم أخلاق ثوري جديد. حين يتم النظر إلى الأمور بهذه الطريقة، يكون الخروج من مصر نصرا للنفس البشرية، قصة الخروج هي وحي لكل شعب مقهور. وبالفعل، تم استخدامها كوحي في العديد من المرات في السابق. استقى مؤسسو الولايات المتحدة معتقداتهم منها، وفعل ذلك متمردون عديدون آخرون في تاريخ الشعوب. الطرف الآخر: حين نقرأ القصة التوراتية بدقة، من دون غطاء ديني على العينيين، تثير بعض التفاصيل المسرودة فيها أفكارا مختلفة. على سبيل المثال، الضربات العشر. لماذا تمت معاقبة الشعب المصري بأسره على أعمال طاغية واحد سيء، الفرعون؟ لماذا ألقى الله عقوبات وحشية، وكأنه مجلس أمن مقدس، على الشعب؟ لماذا لوث مياه النهر بالدم، لماذا دمر قاعدة حياة الشعب بالبرَد والجراد؟ بل أفظع من ذلك، كيف أرسل إله رحيم ملائكته لقتل كل ابن بكر مصري؟ قيل لأبناء إسرائيل، لدى خروجهم من مصر، أنه من المسموح لهم سرقة ممتلكات جيرانهم. إنه غريب بعض الشيء أنه لم يتخطَ الكاتب التوراتي، الذي كان بالطبع شخصا متدينا متشددا، هذه المسألة. وقد حدث ذلك قبل بضعة أسابيع فقط من أن يُسلّم الله عز وجل الوصايا العشر لأبناء إسرائيل بنفسه، والتي قيل فيها "لا تسرق"! بل أكثر من ذلك، يبدو أنه لم يكرّس أي شخص تفكيرا عميقا للناحية الأخلاقية من احتلال كنعان. وعد الله أبناء إسرائيل بأرض كانت موطن شعوب أخرى. قال لهم أن يقتلوا هذه الشعوب، وأمرهم بشكل واضح بارتكاب قتل شعب. لقد ركز على شعب عماليق وأمر أبناء إسرائيل بمحوه عن وجه الأرض بشكل تام. بعد مرور بضعة أجيال أنزل النبي شموئيل الملك شاؤول البطل عن عرش ملكيته لأنه تعامل مع أسرى الحرب بالرحمة ولم يقتلهم، رجال، نساء وأطفال، عماليق. من الواضح أنه تمت كتابة هذه النصوص قبل ألفي سنة وأكثر، حين كانت الأخلاقيات البشرية مختلفة، وكذلك قوانين الحرب. ولكن تتم قراءة "الهغاداه"، اليوم كما في السابق، من دون رقابة، من دون التفكير بالتفاصيل الرهيبة. يتعامل العديد من المعلمين والتلاميذ في مدارسنا، وبشكل خاص في المدارس الدينية، مع أمر إبادة السكان غير اليهود في البلاد بجدية تامة. المغزى: تمت كتابة قصة "الهغاداه" بتوجه واضح وبتفكير مسبق بأنه حين يقرأ اليهود "الهغاداه" عشية الفصح، سنة تلو الأخرى، ستحدث عملية ترسيخ، عملية إكساب وجهة نظر دينية أو سياسية. ثمة جملتان في "الهغاداه" كان لهما، ولا يزال لهما اليوم أيضا، وقعًا كبيرًا على الحاضر. تعبر إحداهما عن ركيزة فكرية للنظرة التاريخية لدى معظم اليهود: "يقومون علينا في كل جيل وجيل للقضاء علينا." لا ينطبق ذلك على زمان معيّن أو مكان معيّن. يبدو ذلك كحقيقة أبدية، تحدث في جميع الأزمنة وفي كل الأماكن. من هم الذين يقومون علينا؟ العالم الخارجي بأسره، جميع بني البشر غير اليهود. يسمع الأولاد ذلك في عشية الفصح وهم بين أحضان آبائهم، قبل أن يتعلموا القراءة والكتابة بكثير. إنهم يكررون ذلك سنة تلو الأخرى، لعشرات السنوات. يعبر ذلك عن الإيمان الواعي وغير الواعي لدى جميع اليهود تقريبا، من لوس أنجلوس وحتى اللد. هذا يوجه سياسة دولة إسرائيل. الجملة الثانية التي تكمل الأولى هي دعوة إلى الله: "اسكب غضبك على الأمم التي لم تعرفك... لأنهم أكلوا يعقوب، أكلوه وأفنوه. اسكب عليها غضبك، وألق سخطك عليهم. لاحقهم وأبدهم تحت سماء الله." ثمة معنى مزدوج لمصطلح "غوييم". كان ذلك في السابق، ببساطة، مصطلحا منفردا لـ "الأمم". جرى الحديث عن شعب إسرائيل وكأنه "أمة مقدسة". ولكن هذا المصطلح حصل مع مرور السنوات على معنى آخر. إنه مقبول اليوم كتعريف لغير اليهود، بالمعنى السلبي. كما في الأغنية بالإيديش، "واه واه واه / الثمل هو غير اليهودي". ولاحقا: "إنه ثمل / يريد أن يشرب / لأنه غير يهودي". يستحسن فهم النص كما ينبغي، يجب أن نتذكر أن كتابته قد تمت كدعوة من القلب من قبل شعب مضطهد، يفتقر إلى الحماية، ولم تكن لديه أية وسيلة للانتقام من أعدائه. لرفع معنوياتهم عشية الفصح، كان عليهم أن يضعوا ثقتهم في الله وأن يطلبوا منه الانتقام لهم بدلا عنهم. ( من المعتاد ترك الباب مفتوحًا عشية الفصح. السبب الرسمي هو التسهيل على مجيء النبي إيليا الذي سيقوم من قبره بأعجوبة. في الواقع، يبقى الباب مفتوحا ليتمكن غير اليهود من اختلاس النظر إلى الداخل والتأكد من أنه لا صحة في الافتراء اللا سامي، وكأن اليهود يخبزون خبز الفصح بدم أولاد مسيحيين مُختطفين). العبرة: طالما عاش اليهود في الشتات، كانت الرغبة في الانتقام مفهومة تماما، وما كان لها أن تؤذي. ولكن الواقع قد تغيّر مع قيام الدولة تغييرا جذريا. إن اليهود في إسرائيل بعيدون كل البعد عن أن يفتقروا إلى الحماية. لا حاجة لنا في الاعتماد على الله بعد الآن لينتقم لنا من الظلم الذي لحق ويلحق بنا، الظلم الحقيقي أو الوهمي. يمكننا أن نسكب غضبنا بأنفسنا، على جيراننا، على الفلسطينيين وسائر العرب، على الأقليات التي تعيش بين أوساطنا، على ضحايانا. أعتقد أن هذا هو الحقيقي للهغاداه. لقد تمت كتابته من قبل، ومن أجل، يهود لا حول لهم ولا قوة، كانوا يعيشون في خطر دائم. كان ذلك يرفع معنوياتهم مرة في السنة، وعندها كانوا يشعرون بالأمان، محاطين بعائلاتهم، يحميهم الله. حين يتم إخراج الأمور عن سياقها التاريخي وتطبيقها على وضع مختلف تماما، يمكن لرواية الفصح أن تجعلنا نسلك طريقا شائكة. حين نخبر أنفسنا صباحا مساء، سنة تلو الأخرى، أن غير اليهود يقومون للقضاء علينا، فإننا نرى في حديث متعجرف لحاكم إيراني متباه خطرا وجوديا، إثباتًا بأن المقولة القديمة صحيحة جدًا اليوم، كما كانت في الماضي. يقوم غير اليهود للقضاء علينا، لذلك يجب أن نسبقهم بقتلهم. يستحسن أن ننسى، في عشية هذا الفصح، مقطع "الهغاداه" الذي يتحدث عن سكب غضبك على غير اليهود، وعوضا عن ذلك، أن نركز ونمجد المقطع الذي يرفع المعنويات والذي يتحدث عن العبيد الذين يقررون مصيرهم ويتمردون على الطغاة. |