اوري افنيري 

"الرصاص المصبوب 2" / أوري أفنيري


هل انتصرنا؟

تصادف غدًا الذكرى السنوية الأولى للحرب على غزة، المعروفة بين الجمهور باسم "حملة الرصاص المصبوب" وقد قدم الجمهور الإسرائيلي الإجابة: بالتأكيد، ها قد توقف إطلاق صواريخ القسّام!

إجابة سهلة، يمكن القول أنها رجعية، ولكن هكذا تبدو الأمور للناظر السطحي. كانت هنالك صواريخ قسّام، خضنا حربًا، وتوقفت صواريخ القسّام. تُدار الحياة في بلدات الجنوب بشكل منتظم. تزدهر سدروت، يخرج سكان بئر السبع إلى المسارح. وأما الأمور المتبقية فما هي إلا حوار بين البروفيسورات.

ولكن من يرغب في أن يفهم نتائج الحرب، عليه أن يطرح أسئلة.

هل كن هدف الحملة الحقيقي هو وقف إطلاق صواريخ القسّام فقط؟ هل كان بالإمكان تحقيق ذلك بوسائل أخرى؟ وهل كانت لها أهداف أخرى، وهل تم تحقيقها؟ هل الخلاصة النهائية كانت إيجابية أم سلبية من حيث مصالح دولة إسرائيل؟

أنا أشعر بالشفقة على المؤرخين. عليهم أن ينقبوا في المستندات، أن يفحصوا البروتوكولات، وأن يعاينوا النصوص.

إن لغة المستندات هي بمثابة خداع نظر. لو صح قول طاليران (أو بسمارك، أو أي شخص آخر) بأن الكلمات قد خلقت لتخفي الأفكار، فهذا صحيح بأضعاف مضاعفة بالنسبة للمستندات. المستندات تحرّف الحقائق، تخفيها، تخترعها، وكل ذلك حسب مصلحة الكاتب. إنها تكشف درهمًا وتخفي قنطارًا. إن كل من يشارك في الحياة العامة يعرف ذلك.

لذلك، سنتجاهل البروتوكولات. ماذا كانت الأهداف الحقيقية التي وجّهت من قرّر شن الحرب؟ حسب تقديري، كانت جميعها بترتيب تنازلي:

  1. إسقاط حكم حماس في غزة، بواسطة تحويل حياة السكان إلى جحيم، ليثوروا ضد حماس.
  2. استعادة الاحترام الذاتي للجيش الإسرائيلي وللحكومة، الذي أصيب بمهانة في حرب لبنان الثانية.
  3. إرجاع قدرة الردع للجيش الإسرائيلي.
  4. وقف إطلاق صواريخ القسّام.
  5. إطلاق صراح غلعاد شاليط.

لنفحص كل نتيجة من هذه النتائج على حدة.

حضر قبل بضعة أيام مئات الآلاف من سكان القطاع تظاهرة تضامن مع حماس. حسب الصور، كان هناك عددّا يتراوح بين 200 حتى 400 آلف شخص. لو أخذنا بعين الاعتبار أن هنالك 1.5 مليون شخص يعيشون في القطاع، ومعظمهم من الأولاد، فقد كانت هذه التظاهرة بمثابة تظاهرة داعمة مثيرة للإعجاب. وخاصة في ضوء الحقيقة بأن الجيش الإسرائيلي قد مارس حصارًا طيلة السنة على القطاع، وأنه لم يتم ترميم الأنقاض بعد. من كان يؤمن بأن تفعيل ضغط على السكان سوف يؤدي إلى التمرد ضد حكم حماس فقد خاب أمله.

من يقرأ التاريخ لا يُفاجئ: تتوحد كل فئة سكانية حول الزعامة، أي زعامة كانت، ضد أي هجوم لعدو من الخارج. والمؤسف هو أن السياسيين والضباط لدينا لا يقرءون الكتب.

يروي المحللون لدينا أن سكان غزة "ينظرون بلهفة إلى الحوانيت المزدهرة في رام الله". إنهم يواسون أنفسهم بالاستطلاعات التي تثبت، ظاهريا، بأن شعبية حماس في الضفة الغربية آخذة بالتناقص. إذا كان الأمر كذلك، فلماذا تخاف منظمة فتح من خوض الانتخابات في غزة، على الرغم من أن ناشطي حماس جميعا هناك قد تم زجّهم في السجن؟

على ما يبدو فإن سكان غزة مسرورون، إذا صح القول، من أداء حكومة حماس. ربما هم فخورون بموقفها المتشدد، على الرغم من ضائقتهم. يسود النظام في الشارع، وقد تقلصت حدة الإجرام والمخدرات. تحاول حركة حماس بحذر انتهاج نظام حياة ديني، ويبدو أن الجمهور لا يعارض ذلك.

لقد فشل هدف الحملة الأساسي كليا.

على الرغم من ذلك، تحقق الهدف الثاني. استعادت حكومة أولمرت مرة أخرى في الحرب على غزة ثقة الجمهور، التي فقدتها في حرب لبنان. على الرغم من أن هذا الأمر لم يساعد أولمرت، الذي اضطر إلى الاستقالة بسبب غيوم الفساد التي تحوم فوق رأسه.

استعاد الجيش الإسرائيلي هو أيضا ثقته بنفسه. لقد أثبت أن الإخفاقات العسكرية، التي ظهرت في الحرب على غزة مرارا وتكرارا، كانت سطحية. الجمهور على قناعة بأن الجيش قد نفذ مهمته بشكل جيد في الحرب على غزة. إن الحقيقة بأن مجموع عدد القتلى بنيران العدو كان ستة جنود، مقابل أكثر من آلف قتيل في الطرف الثاني، قد عززت هذا الاعتقاد. أما الأمور الأخلاقية فتقلق قلة قليلة فقط.

أما عن السؤال فيما إذا تم تحقيق الهدف الثالث، وهو الردع، فهو مرتبط بالسؤال: من الذي انتصر في الحرب من الناحية العسكرية؟

من الصعب تعريف "الانتصار" في حرب بين جيش نظامي وبين تنظيم عصابات. من المعتاد، في معركة كلاسيكية بين الجيوش، أن نفترض أن الطرف الذي سيطر على ساحة القتال في نهاية الحرب هو المنتصر. من الواضح أن هذا الأمر لا ينطبق على حرب ليست متماثلة. لم يرغب الجيش الإسرائيلي في السيطرة على غزة، بل على العكس، حاول جاهدا أن يمنع هذه الإمكانية.

هنالك من يدعي بأن حماس قد انتصرت في الحرب، وذلك لمجرد الحقيقة بأن منظمة صغيرة، تفتقر إلى الموارد، قد نجحت في الصمود طيلة ثلاثة أسابيع، أمام أقوى جيوش العالم، يشكل إنجازا عسكريا هائلا. إن في هذا القول كثير من الحقيقة.

من جهة أخرى، لا شك في أن قوة الجيش الإسرائيلي على الردع قد أعيد تأهيلها. تعرف الجهات الفلسطينية والعربية عامة، في الوقت الحالي، أن الجيش الإسرائيلي على استعداد للقتل والتدمير من دون أي قيود في أي معركة عسكرية. سيفكر زعماء حماس، وكذلك زعماء حزب الله، مرتين وثلاث مرات قبل أن يتحدّوا الجيش الإسرائيلي في المستقبل.

لقد توقف إطلاق صواريخ القسّام بشكل نهائي تقريبا. يفرض حماس رغبته على التنظيمات الصغيرة والأكثر تطرفا أيضا، ممن يرغبون في مواصلة إطلاق صواريخ القسّام.

ليس ثمة أي شك في تأثير قوة ردع الجيش الإسرائيلي على ذلك، ولكن حقيقة أن الجيش الإسرائيلي يحذر جدا من وقوع مشادّات، كما فعل قبل حملة "الرصاص المصبوب". إن الردع في منطقة غزة هو ردع متبادل – حاليا على الأقل.

هنالك مكان، لطرح سؤال حول فيما إذا كان من الأبسط والأسهل وقف إطلاق صواريخ القسّام بوسائل سياسية. لو اعترفت حكومة إسرائيل بحكم حماس في غزة، من الناحية الفعلية على الأقل، وأقامت معه علاقات معقولة، ولو لم تفرض الحصار على غزة، هل كان من الممكن وضع حد للصواريخ من دون حرب؟ أنا متأكد من أن هذا ممكن.

إطلاق سراح شاليط هو هدف ثانوي ولكن له أهمية بحد ذاته، ولم يتم تحقيقه. إذا تم إطلاق سراح شاليط، فسيكون في إطار تبادل أسرى، وسيبدو بمثابة انتصار كبير لحماس.

إذا أخذنا بالاعتبار كل هذه النتائج، يمكننا أن نتوصل إلى الخلاصة بأن الحرب قد انتهت بشبه تعادل.

لولا غولدستون.

لقد وجهت هذه الحرب ضربة قاضية إلى مكانة إسرائيل في العالم.

هل هذا الأمر مهم؟ قال دافيد بن غوريون، كما هو معروف، أن "ليس المهم ما يقوله غير اليهود، بل المهم هو ما يفعله اليهود" بالمقابل، قال توماس جفرسون، أنه ليس باستطاعة أي أمة أن تسمح لنفسها أن تخطط لما تقوم به من دون أن تأخذ بالحسبان رأي البشرية. لقد كان جفرسون على حق في هذا النقاش. إن لما يقوله غير اليهود يحظى بأهمية كبيرة فيما يتعلق بجميع الحروب التي خاضتها إسرائيل - ابتداء من الحلبة السياسية وانتهاء بالحلبة العسكرية. تشكل مكانة الدولة في العالم جزءًا هامًا من الأمن القومي.

لقد ألقت الحرب على غزة – بدءًا بقرار تفعيل الجيش الإسرائيلي في منطقة مكتظة بالسكان، وانتهاء باستخدام قنابل الفوسفات وقذائف المدرعات الموجهة ضد البشر – ظلالا قاتمة على إسرائيل. أما تقرير غولدستون، الذي جاء بعد الصور البشعة التي ظهرت خلال العملية في جميع شبكات التلفزيون الدولية، فقد خلق انطباعا رهيبا. سمع ورأى مئات ملايين بني البشر في العالم، وتغيرت معاملتهم نحو إسرائيل. سيكون لذلك تأثير بعيد المدى على قرارات الحكومات، على موقف وسائل الإعلام وعلى الكثير من القرارات الكبيرة والصغيرة بالنسبة لإسرائيل.

جميع الناطقين والصحافيين لدينا تقريبا، ابتداء من رئيس الدولة وانتهاء بأخر مقدمي البرامج التلفزيونية، يكرّرون مرارا وتكرار كالببغاء الادعاء بأن تقرير غولدستون هو "أحادي الجانب"، "حقير" و"كاذب". ولكن العالم يعرف أن هذا تقرير هو تقرير عادل، بقدر ما يمكن أن يكون عادلا، بعد أن قررت حكومة إسرائيل عدم التعاون في التحقيق. ويزداد الضرر يوما بعد يوم. جزء من هذا الضرر هو ضرر غير مرتجع.

لا يمكن فحص نتائج الحرب من دون أن نضع هذه الحقيقة في كفة الميزان السلبية. الخلاصة هي أن أضرار الحرب التي لحقت بدولة إسرائيل أكثر بكثير من الأرباح التي جنتها.

ثمة أشخاص مرموقون في الدولة يوافقون على هذه الخلاصة ويذوّتونها بصمت. ولكن الأصوات التي تعلن - بين النخبة العليا وبين أوساط الجمهور، وبشكل علني أن "الرصاص المصبوب 2" آت لا محالة.

يُعزون إلى بسمارك المقولة بأن الإنسان الأحمق يتعلم من تجربته الذاتية، وأما الإنسان الذكي فيتعلم من تجارب الآخرين. إذن كيف سنصنّف أنفسنا؟