اوري افنيري 

مركبة إسرائيل وفرسانها / أوري أفنيري


من حق كل إنسان أن يغيّر آرائه. وكذلك داني ترزا.

خطط الميجر جنرال ترزا الجدار "الذي يلفّ" القدس – ذلك الذي يعزل القدس عن الضفة الغربية، لتحويلها إلى عاصمة إسرائيل الأبدية.

وعلى حين غرّة، يظهر ترزا كمعارض رئيسي للجدار الذي خططه له بنفسه. إنه يريد إزاحته، ليشمل أراضي قرية الولجة أيضا.

توقف الميجر جنرال عن العمل باسم الجيش الإسرائيلي، ويعمل حاليا باسم مبادرين من القطاع التجاري، يطلبون بناء أربع عشرة وحدة سكنية في المنطقة، حيث سيسكن فيها نحو 45 ألف يهوديا. وكل ذلك، بطبيعة الحال، من أجل الصهيونية، من أجل شعب إسرائيل، من أجل عاصمتنا الأبدية وبضع عشرات من ملايين الشواقل.

الميجر جنرال ترزا ليس أي إنسان. إنه مصطلح.

التقيت به لسنوات في قاعات المحاكم. كان وكأنه تابع للمعدّات: إنه الشاهد الرئيسي، الخبير والروح النابضة في عشرات المداولات التي تدور رحاها هناك حول تخطيط الجدار الفاصل والضم.

إنه يعرف كل شيء. كل كيلومتر من الجدار والسياج. كل تلة وكل حجر. توجد في حوزته دائما حزمة من الخرائط، يفتحها أمام القضاة ويشرح بجدية تامة لماذا يجب أن يمر الجدار من هنا وليس من هناك بالذات، لماذا يتطلب أمن الدولة عزل القرى الفلسطينية عن أراضيها، لماذا يشكّل ترك كروم الزيتون بين أيدي أصحابها خطرا على حياة الجنود الإسرائيليين.

وعادة ما يقتنع القضاة. إنه الخبير. إنه الرجل العارف بالأمور. كيف سيأخذون على عاتقهم مسؤولية تغيير مسار الجدار، إن كان يمكن لذلك أن يسبب قتل اليهود؟

وهناك من شذّوا عن القاعدة. اقتنعت المحكمة بأنه يمكن نقل الجدار في قرية بلعين بضع مئات من الأمتار، من دون تقويض أمن الدولة وتكدس جثث اليهود في المنطقة.

وافقت المحكمة العليا على طلب سكان القرية نقل الجدار ولكن - - - لا شيء. بقي الجدار في مكانه. إن الحكومة والجيش يتجاهلان، ببساطة، قرار المحكمة.

أعلنت رئيسة المحكمة عبثا أن قرارات الحكم التي تصدرها هي "ليست توصيات". مثله مثل عشرات قرارات المحكمة الأخرى المتعلقة بالمستوطنين، أخذ يعلوه الغبار هو أيضا.

قضية بلعين هي قضية بارزة بشكل خاص – وليس فقط لأنه قد يُقتل ويُجرح في المظاهرات هناك أشخاص - فلسطينيون وإسرائيليون وآخرون. إنها بارزة لأن الدافع الكامن من وراء الجدار واضح للغاية.

إنه ليس الصهيونية. ليس الأمن أو الحماية في وجه الإرهابيين. إنه ليس حلم الأجيال. ليس رؤيا بنيامين زئيف هرتسل، الذي احتفلت الدولة هذا الأسبوع بعيد ميلاده الـ 150.

إنه المال بكل بساطة. والكثير، الكثير من المال.

تم تخصيص المنطقة التي تفصل بين الجدار الحالي وبين المخطط البديل، من أجل حي جديد لمستوطنة حاريدية، واسمها موديعين عيليت. من المزمع أن تبني شركات ضخمة هناك بضع مئات من "الشقق السكنية". مشروع بالملايين.

تتحوّل المناطق المسلوبة من الفلسطينيين، في كل مكان، إلى أموال غير منقولة. وتصل الأموال غير المنقولة، بطرق خفية، إلى أيدي أصحاب رؤوس الأموال. يقيم أصحاب رؤوس الأموال أحياء كبيرة عليها، ويبيعون "الشقق السكنية" بأموال طائلة.

كيف يتم ذلك؟ يتلقى الجمهور بأكمله الآن درسا في قضية "هوليلند". مسلسل دروس – يُكشف النقاب فيه يوميا عن تفاصيل جديدة ومشبوهون جدد.

بدل فندق صغير كان يطلق عليه هذا الاسم تمت إقامة مبادرة مشروع بناء ضخم- سلسلة من الأبراج السكنية الشاهقة، وإلى جانبها ناطحة سحاب. يُطل هذا الوحش، القبيح بشكل خاص، على المنطقة كلها – وهذا ما هو سوى نصف المشروع الكامل، الذي تمت الموافقة عليه في على كافة الأصعدة، البلدية والرسمية.

كيف تمت المصادقة عليه؟ التحقيق في أوجه. يتم اعتقال أشخاص إضافيين كل يوم تقريبا. كل من كانت له يد في الموافقة على المشروع تقريبا، وانتهاء بأصحاب المناصب الكبيرة جدا– وزراء، موظفو حكومة كبار، رئيس البلدية، أعضاء المجلس البلدي وموظفون كبار- هم من المتهمين. يبحثون حاليا في جميع أنحاء العالم عن الرشوات التي تبلغ ملايين الشواقل.

تقع "هوليلند" في غربي المدينة. تحدثت زمرة أصحاب رؤوس الأموال، السياسيون وسائر اللصوص الذين أصبحوا أغنياء على حساب الجمهور، عن رسالتهم في تقوية القدس، العاصمة الأبدية وما شابه.

والسؤال الذي يطرح نفسه: إذا كان هذا ما يحدث في غربي المدينة، فما هي الحال في شرقها؟ إذا كان هؤلاء السياسيون والموظفون يتجرأون على السلب وتلقي الرشوة في القدس الغربية – فما الذي يسمحون به لأنفسهم في القدس الشرقية، حيث لا يوجد فيها أي تمثيل للسكان، لا في البلدية ولا في الحكومة؟

مسافة بضع دقائق فقط تفصل بين "هوليلند" وبين قرية الولجة.

نحن بحاجة إلى مجلّد سميك لوصف تاريخ هذه القرية المتشابك، التي كانت لستين عاما محطّ معاملة مسيئة.

تم احتلال وضم القرية الأصلية في حرب عام 1948، تم طرد سكانها ليقيوموا قرية جديدة على أراضيهم التي بقيت خارج الخط الأخضر. تم احتلال القرية الجديدة في حرب عام 1967، وضمها إلى القدس، التي ضمت هي بدورها إلى إسرائيل. وفق القوانين الإسرائيلية، فإن المنازل هناك ليست قانونية. صحيح، على الرغم من أن السكان يسكنون في بيوتهم، على أراضيهم، ولكنهم يعتبرون مقيمين غير قانونيين، إذ يمكن طردهم في أي وقت.

وها هم أصحاب الأموال غير المنقولة يسترقون النظر إلى أراضيهم، التي تساوي أموالا طائلة لأصحاب المشاريع. إنهم يتصرفون بموجب الطريقة الصهيونية المتعارف عليها. أولا يتم استبدال الاسم العربي باسم عبري نقي، ويفضل أن يعود أصله إلى التوراة. مثل جبل أبو غنيّم القريب الذي تحول إلى "هار حوماه"، قبل أن تم إنشاء مساكن وحشية تقذي العيون، وهكذا تتحول قرية الولجة الآن إلى "غفعات ياعيل". من الواضح أن مكانا يدعى "غفعات ياعيل" سيكون تابعًا لشعب إسرائيل، وإنها لوصية مقدسة أن تقام فيه مستوطنة إضافية.

وماذا إذا استلزم الأمر إزاحة الجدار؟ من الممكن دائما العثور على ضابط مهترئ ليبرر ذلك بواسطة ذرائع أمنية.

منذ سنوات وأنا أحذر من تجاهل هذا الجانب من الاستيطان.

لقد تمحور الجدال الشعبي دائما حول مبادئ سامية. وعد إلهي مقابل رؤيا إنسانية. أرض إسرائيل الكبرى مقابل حل الدولتين. قيم الصهيونية مقابل قيم السلام. الفاشية مقابل الإنسانية.

وها هو شخص ما يبتسم في طريقه إلى البنك.

تتسع المستوطنات كل الوقت بوتيرة متسارعة. على كل تلّة عالية في الضفة الغربية وإلى جانب كل شجرة نضرة في القدس الشرقية تنبت مستوطنات كالفطر السام، الذي يسمم احتمالات السلام. من هذه الناحية، لم يكن هناك أي فرق بتاتا بين غولدا مئير ومناحم بيغن، إيهود باراك وأريئيل شارون، شمعون بيريس وبنيامين نتنياهو.

من بين مقيمي المستوطنات هنالك أيضا نواة من المثاليين المتطرفين. ولكن جزءا ملحوظا من مقيمي المستوطنات ليسوا سوى تجار محنكين، ليس لهم إله، سوى إله المال. إنهم يتدبرون أمورهم بشكل جيد مع زعماء الليكود وزعماء حزب العمل، ولا يزعجهم أن يتدبروا أمورهم مع زعماء كاديما أيضا.

تجتاز المستوطنات الضخمة في شرق القدس، القائمة والمخطط لها، العملية ذاتها كما حدث مع الوحش على تلال "هوليلند"، وهي بحاجة إلى تصاريح المؤسسات المحلية والقطرية ذاتها. ها هي القدس قد تم توحيد شطريها. وترفرف فوقها سحابة سوداء من الشكوك.

تدعو الحاجة الآن إلى لجنة تحقيق وطنية للتحقيق في جميع التراخيص التي أعطيت في القدس في السنوات الأخيرة، وعلى وجه التحديد منذ تولي إيهود أولمرت منصب رئاسة البلدية. فمن المعروف أن أولمرت قد قاتل قتال الأسد في سبيل إنشاء "هار حوماه" وسائر المستوطنات الكبيرة في القدس الشرقية، باسم الصهيونية ومن أجل بعث شعب إسرائيل في مدينته المقدسة.

يجب إعادة النظر في جميع الأمور. ويجب وقف أي مبادرة جديدة في المدينة، إلى أن يتم إثبات صلاحيتها دونما ريب.

الأمور جسيمة بحد ذاتها، وهي جسيمة بأضعاف لأنها تحتل الآن لبّ النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني والأزمة الإسرائيلية – الأمريكية.

بهدف البناء في القدس الشرقية، تعرّض حكومة نتنياهو شريان الحياة الذي يربط إسرائيل بالولايات المتحدة للخطر. يقول رئيس البلدية اليميني المتطرف بأنه لا يكترث لحكومة إسرائيل أيضا، ولن يوقف البناء حتى لو طلب نتنياهو منه ذلك. يرفض الفلسطينيون استئناف المفاوضات مع حكومة إسرائيل ما لم يتوقف البناء في المدينة الشرقية.

هل نخاطر بمستقبل دولة إسرائيل للأجيال القادمة لكي يكسب أصحاب الأموال غير المنقولة المليارات؟ هل يوجد من بين الوطنيين بُناة القدس أيضا منتخبون من قبل الجمهور وسياسيون يأملون بتلقي رشوة بمئات الآلاف من البُناة؟ هل هناك صلة مباشرة بين الفساد المثير للقشعريرة، الذي لا تشكل فيه فضيحة "هوليلند" سوى غيض من فيض، وبين اتخاذ قرارات وطنية حاسمة ومصيرية؟

لو رآهم النبي إليشع لصرخ: "مركبة إسرائيل وفرسانها!"