اوري افنيري 

بطل الفوضى / أوري أفنيري


أفيغدور ليبرمان لا يتذوق طعم الراحة. يجب عليه، بين الحين والآخر، أن يفعل شيئا، وليس مهما ما هو.

كوزير للخارجية، كان يتوجب عليه أن يفعل أشياء وأن يعمل في مجال العلاقات الخارجية. ولكن هذا المجال بالذات مرهون بين أيدي الآخرين.

أهم علاقاتنا الخارجية هي علاقاتنا بالولايات المتحدة. إنها مهمة إلى حد جعل بنيامين نتنياهو يحتفظ بها لنفسه. سفيرنا في واشنطن، الذي عيّنه مالك الكازينوهات شلدون إدلسون، يقدم تقاريره إلى نتنياهو مباشرة.

أما العلاقات مع الفلسطينيين فيديرها إيهود باراك. كوزير للأمن هو المسؤول رسميا عن الأراضي المحتلة. الجهة الأكثر نشاطا هناك هي الشاباك، الواقع تحت إمرة نتنياهو.

العلاقات مع العالم العربي – فيما عدا مصر والأردن - مرهونة بين أيدي الموساد، التابع هو أيضا لرئيس الحكومة. من الناحية العملية، يتم اتخاذ كافة القرارات من قبل نتنياهو وباراك، ومن ضمن هذه القرارات القرار بشأن القضية الإيرانية.

إذن، ماذا بقي لليبرمان؟ يمكنه أن يعالج علاقاتنا مع زامبيا وجزر فيجي وأن يعيّن سفراء في غواتيمالا وأوغندا. لا شيء غير ذلك، لا شيء.

ما عدا الاحتكار الشخصي الذي يمارسه في العلاقات مع دول الاتحاد السوفييتي سابقا. لماذا؟ لقد وُلد ليبرمان في مولدافيا السوفييتية ويتحدث الروسية بطلاقة. على الرغم من أنه قدم إلى البلاد منذ 34 سنة، قُبيل عيد ميلاده العشرين، إلا أن معظم الإسرائيليين ما زالوا يعتبرونه "روسيًا". إنه يتحدث العبرية بلهجة روسية ثقيلة ويبدو كأجنبي. إن علاقاته بذلك الجزء من العالم هي استثنائية لأسباب المنشأ: ليبرمان هو معجب تام بفلاديمير بوتين وأشباهه، ألكسندر لوكشنكو في مينسك وفيكتور يانوكوفيتش في كييف. لقد كان يرغب في إقامة نفس النظام في إسرائيل، شريطة أن يلعب هو دور بوتين الإسرائيلي في هذا النظام.

معظم زملائه في أوروبا وفي مختلف أنحاء العالم يقاطعون ليبرمان قدر الإمكان. إنه يمقتون آراءه، التي تبدو لهم نصف فاشية، إذا لم تكن أسوأ من ذلك.

إذن، لماذا أسند نتنياهو منصب وزير الخارجية لهذا الرجل؟ كزعيم لحزب "يسرائيل بيتينو"، الحيوي لبقاء الائتلاف، كان لليبرمان الحق في تسلم إحدى الحقائب الهامة الثلاث في الحكومة: وزارة الأمن، وزارة المالية أو وزارة الخارجية. من كان ليجرؤ على سلب باراك وزارة الأمن، الذي يرى فيها وديعة له من الله؟ ولأن نتنياهو يعتبر نفسه جهبذا اقتصاديا، فقد قرر الاحتفاظ بهذا المجال لنفسه. لهذا الهدف وجد دكتور في مجال الفلسفة، لم تكن لديه أية دراية في الاقتصاد، وعيّنه وكأنه وزيرا للمالية. هكذا لم تبق أمام ليبرمان سوى وزارة الخارجية، التي ينظر إليها معظم الإسرائيليين باستهتار.

هذه الوزارة لا توفر الكثير من النشاطات، وبالتأكيد لا توفر نشاطات تحظى بالعناوين في الصحف. لذلك يُضطر ليبرمان كل عدة أشهر إلى إحداث فوضى. لقد أهان كثيرين من زملائه في العالم. مساعده، داني أيالون، تفاخر أمام الصحافيين بأنه أهان السفير التركي وأجلسه على مقعد منخفض. ولأن الجيش التركي كان في حينه ما زال الشريك الأكثر حميمية للجيش الإسرائيلي في المنطقة، استشاط باراك غضبا.

ليبرمان بحاجة أيضا إلى شيء لإلهاء الرأي العام عن فضيحة الفساد المشهورة الخاصة به. يتم التحقيق معه منذ 14 سنة بشأن تحويل ملايين من مصادرة غامضة إلى حساباته المصرفية في الخارج، وجزء منها كان مسجلا على اسم ابنته ميخال، التي كانت في أوائل العشرينات من عمرها. يتعيّن على المستشار القضائي أن يقرر بشأن محاكمته - الأمر الذي كان سيجبر ليبرمان على الاستقالة.

وها هو ليبرمان يسبب فوضى إضافية.

قبل أسبوعين تفاجأ نتنياهو وباراك حين نشرت الصحف أن وزير الخارجية ليبرمان قد أرسل رسالة إلى وزراء خارجية "الرباعية" - الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، هيئة الأمم وروسيا - التي تراقب عملية السلام غير الموجودة.

وقد طالب ليبرمان في رسالته من الوزراء الأربعة إقصاء رئيس السلطة الفلسطينيين، أبي مازن، والدعوة إلى إجراء انتخابات فلسطينية فورا.

إن حماقة هذه الرسالة تثير العجب، حتى مقارنة بسائر مآثر ليبرمان.

أولا، لا توجد للرباعية صلاحية إقالة شخص ما في فلسطين – أو في إسرائيل. (ليته كانت لها مثل هذه الصلاحية!) لا يمكن للرباعية أيضا أن تدعو لإجراء انتخابات.

صحيح أنه كان على الانتخابات أن تجرى منذ وقت طويل، في شهر كانون الثاني 2010، إلا أن حماس كانت قد أعلنت أنها لن تشارك فيها، ولذلك يمكن إجراؤها في الضفة الغربية فقط. كان هذا الوضع سوف يزيد الهوّة بين منظمة التحرير وحماس – ولا يوجد أي فلسطيني معني بذلك.

ثانيا، لو شاركت حركة حماس في الانتخابات، لكان من الممكن جدا أن يتم انتخاب زعيمها خالد مشعل، الذي حاولت إسرائيل اغتياله، لمنصب الرئيس. بعد وصول منظمة الإخوان المسلمين – وهي الحركة الأم لحماس - إلى السلطة في مصر، فإن احتمالات فوز حماس في انتخابات ديموقراطية تفوق احتمالات فوزها الكبير في المرة السابقة.

ثالثا، وهذا هو الأهم: أبو مازن ملتزم بالسلام أكثر من أي زعيم فلسطيني آخر. وهذا هو صلب القضية.

يدعم ليبرمان مطالبته الغريبة بادعاء أن أبا مازن هو العائق الرئيسي أمام السلام – وهذا ادعاء لا يهتم به أي خبير سلام في العالم بجدية. سبب ليبرمان الحقيقي معكوس تماما: موقف أبي مازن يُدخل حكومة إسرائيل في قفص الاتهام كمفسدة للسلام.

الشرط الذي يضعه أبو مازن للشروع بمفاوضات سلمية معروف جيدًا: على إسرائيل أن توقف بناء المستوطنات. العالم الواسع يوافق على ذلك.

كما أن شروط أبي مازن للسلام معروفة جيدا. لقد تم وضعها قبل وقت طويل من قبل ياسر عرفات: دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية إلى جانب دولة إسرائيل، وعودة إلى حدود الخط الأخضر (مع تبادلات قليلة ومتفق عليها للأراضي). حل "متفق عليه" لقضية اللاجئين، مع عودة رمزية لعدد محدود. العالم الواسع يوافق على ذلك أيضا.

لو كنا نرغب، لتمكنا من التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين في الأسبوع القادم، وسلام مع العالم العربي كله في الأسبوع الذي يليه. مبادرة السلام العربية مشابهة من الناحية العملية للشروط الفلسطينية.

وهذا هو عمليا مصدر كراهية ليبرمان لأبي مازن. مثله مثل نتنياهو، ليبرمان لا يحلم بالتخلي عن أرض إسرائيل الكبرى. لذلك فهو يفضل زعامة فلسطينية مؤلفة من حماس – طالما تصرح حركة حماس بمعارضتها للسلام مع إسرائيل.

من الناحية العملية، تتعاون السلطة الفلسطينية برئاسة أبي مازن مع إسرائيل في أهم مجال بالنسبة لإسرائيل: الأمن.

معظم الإسرائيليين يؤمنون بأن العمليات قد تم وقفها بسبب "الحاجز الأمني" - جدران وأسيجة تدخل في أعماق الأراضي الفلسطينية المحتلة. غير انه من الممكن تسلق الجدار، يمكن حفر خندق تحته، ويمكن تهريب النشطاء عبره. وكما قالت سياسية أمريكية عن الجدار الذي يتم بناؤه بين الولايات المتحدة والمكسيك: "أروني جدارا يصل ارتفاعه إلى 20 مترًا، وسأريكم سلمًا ارتفاعه 21 مترا". أنا رأيت شبابا فلسطينيين يتسلقون قمة الجدار حتى من دون استخدام سلم.

السبب الحقيقي لوقف العمليات في إسرائيل هو التعاون الحميم واليومي بين قوى الأمن الفلسطينية والأجهزة الأمنية الإسرائيلية. بأمر من أبي مازن، تلاحق الشرطة الفلسطينية نشطاء حماس وسائر الفصائل الفلسطينية، الذي يواصلون تأييدهم "للمقاومة المسلّحة". الشرطة هي قوة عسكرية من الناحية العسكرية، وقد تم تدريب أفرادها من قبل ضباط أمريكيين.

حين يسلك أبو مازن هذه الدرب فإنه يأخذ على نفسه مخاطر هائلة. خصومه يتهمونه بأنه متعاون مع الاحتلال الإسرائيلي ويقارنونه بحكومة فيشي، التي تعاونت مع الاحتلال النازي في فرنسا. (لقد ساعدت الشرطة الفرنسية التابعة لفيشي النازيين، من بين أمور أخرى، في اعتقال اليهود وإرسالهم إلى أوشفيتس).

توصل أبو مازن إلى الاستنتاج بأن العمليات لم تُحرز أي إنجاز للفلسطينيين. إنه يأمل أنه بانعدام وجود عمليات انتحارية، سيتمكن سكان الضفة الغربية من بناء مجتمع مدني، أن يقووا المؤسسات الفلسطينية، أن يرفعوا مستوى المعيشة الفلسطينية البائسة (أقل من عُشر من مستوى الحياة في إسرائيل) وأن يضمنوا الشرعية والمساعدات الخارجية للسلطة الفلسطينية. هذا ينجح بقيادة رئيس الحكومة الحكيم سلام فياض – حتى الآن.

الرّهان هو رهان كبير. يمكن لاقتصاد الضفة الغربية أن ينهار في أية لحظة. إن الانتشار الزاحف للمستوطنات يمكن أن يصل إلى نقطة تكون فيها كل قرية فلسطينية محاطة بالمستوطنات. يمكن لذلك أن يحوّل حياة الفلسطينيين إلى غير محتملة، ناهيك عن أن "شبيبة التلال" يقترفون أيضا كل يوم تقريبا أعمالا إرهابية (حيث يعرّفها رجال الأمن الإسرائيليون بهذا التعريف) ويهاجمون سكان القرى، يحرقون المساجد، المنازل والسيارات ويقتلعون أشجار الزيتون.

في أحد الأيام من المحتمل أن يصل "الربيع العربي" إلى الضفة الغربية. عندها لن تنجح حتى زعامة منظمة التحرير في وقفه.

يحاول أبو مازن، الذي يقترب إلى حافة اليأس، التوصل إلى تخفيف وما هو أشبه بنصر بواسطة إحراز إنجاز في هيئة الأمم المتحدة، فقد طالب بقبول فلسطين كعضوة كاملة في الأمم المتحدة، ولكن هذه العملية قد تمت عرقلتها بواسطة الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن. إنه يفكر الآن بالتوجه للجمعية العامة، التي لا يوجد فيها فيتو. ليبرمان يسمي هذا الأمر باسم "الإرهاب السياسي".

لقد شجبت حكومة إسرائيل التوجّه الفلسطيني وأسمته بـ"أحادي الطرف" (وكأن طلب إسرائيل لقبولها كعضوة في الأمم المتحدة في العام 1948، كان "متعدد الأطراف". ولكن حيال التهديدات الصارمة من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل، قد يتخلى أبو مازن عن التوجّه. هذا سيزيد الخطر على مكانته.

تمت دعوة أبي مازن هذا الأسبوع من قبل النظام الإيراني للمشاركة في مؤتمر كبير تجريه "الدول غير المنحازة" في طهران. كان على الزعيم الفلسطيني أن يقرر ما إذا كان سيقبل الدعوة وأن يحظى بشرعية دولية إضافية، أو أن يرفض، خوفا من أن ينتقم الأمريكيون منه. في نهاية الأمر قرر أن يسافر.

في هذه الأثناء أحرز ليبرمان مبتغاه. لقد تصدر الأخبار طيلة عدة أيام. ظهر وجهه ذو العينين القفازتين والابتسامة المخيفة، على كافة شاشات التلفزيون.

الآن، سوف يختفي عن الأخبار لبضعة أسابيع أو أشهر، حتى يفترك بلعبة جديدة تُحدث فوضى لا سبب لها.