|
||
كالكثير من الجنود الذين شاهدوا الحرب عن قرب (وأنا واحد منهم)، تحوّل هاغل إلى عدو للحرب. رائع. لقد وجه إليه محبو الحرب هجوما شرسًا. لم يسمع أي شخص منهم تقريبا صفير رصاصة في الحروب التي تم إرسال غيرهم إليها. تقف على رأس الهجوم المؤسسة اليهودية في أمريكا. خطيئة هاغل الأساسية هي، كما يبدو، اعتراضه على محاربة إيران. معارضة الهجوم على إيران معناها أن يكون المرء معاديًا لإسرائيل، لا ساميًا وأن يتمنى إبادة دولة إسرائيل وجميع اليهود. ليس مهما أن جميع رؤساء جهاز الأمن الإسرائيلي تقريبا، في الحاضر والماضي، يعارضون هم أيضا الهجوم على إيران. ونتنياهو هو أكثر خبرة منهم. في الأسبوع الماضي تم إجراء مقابلة مع رئيس الشاباك السابق، يوفال ديسكين، وقد أعطى وصفا مخيفا لتصرف بنيامين نتنياهو وإيهود باراك في الجلسات التي ناقش فيها قادة الأمن قصف إيران. كلاهما كانا في مزاج مرتفع، دخنا السيجار وشربا الويسكي. ضباط الجيش وقادة خدمات الأمن صُدموا. يُعتبر السيجار لدينا كماليات استعراضية، وشرب المشروبات الروحية في العمل هو طابو. (أتباع نتنياهو يدعون دائمًا أن وينستون تشرشل كذلك دخن السيجار وشرب حتى الثمالة. يبدو أن السيجار والويسكي وحدهما لا يكفيان لأن يصبح المرء تشرتشل). في الواقع، يخيل إلي أن تعيين هاغل يسهل على نتنياهو. لقد وصف لعدة سنوات القنبلة النووية الإيرانية على أنها نهاية العالم، أو على الأقل نهاية دولة إسرائيل. وها هي القنبلة تختفي تمامًا في دعاية نتنياهو الانتخابية. يمكن أن يساعد تعيين هاغل نتنياهو على أن يهبط عن الشجرة. حسب رأي رؤساء اللوبي فإن قائمة جرائم هاغل أطول من ذلك. قبل سنوات أطلق هاغل على اللوبي المناصر لإسرائيل في واشنطن "اللوبي اليهودي". بحق السماء! لقد كان حتى ذلك الحين واضحًا أن أعضاء أيباك هم بوذيون، وأن داعميها هم مليارديريون عرب، مثل أبو شلدون وعبد الأدلسون. لكن أخطر خطايا هاغل لا تذكر تقريبا. عندما شغل منصب سيناتور جمهوري من قبل ولاية نبراسكا فقد تفوه بأخطر الكلمات على الإطلاق: "أنا سيناتور أمريكي. لست سيناتورًا إسرائيليًا!" هنا يوجد البيت القصيد. جميع السيناتورات الأمريكيين هم بالفعل سيناتورات إسرائيليين، وكذلك أعضاء الكونغرس. لم يكن أي شخص منهم ليتجرأ على انتقاد الحكومة الإسرائيلية في أي قضية كانت، مهما كانت تافهة. انتقاد إسرائيل يوازي الانتحار السياسي. ليس فقط أن اللوبي اليهودي يستخدم الموارد الضخمة الخاصة به من أجل المساعدة في انتخاب سياسيين "أصدقاء لإسرائيل"، بل وقد استغل قوته أيضا من أجل تنحية السياسيين القلائل الذين تجرأوا على التمرد على اللوبي. في الفيلم الدعائي الخاص به في هذه الانتخابات، يبين الليكود مرة تلو الأخرى خطاب نتنياهو أمام مجلسي الكونغرس. السيناتورات وأعضاء الكونغرس يبدون كأنهم يصفقون بحماسة بعد كل جملة لنتنياهو، ويقفزون إلى الأعلى والأسفل كالطلاب في حصة الرياضة. يقول عنوان الفيلم: "عندما يتكلم نتنياهو، العالم يصغي!" (نكتة مثيرة: بعد هذا المشهد المُخجل، يبين الفيلم خطاب نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. ولأن هناك لم يكن تصفيق تقريبا - كانت القاعة نصف فارغة، وأفيغدور ليبرمان وبقية أعضاء البعثة الإسرائيلية كانوا تقريبا الوحيدين الذين صفقوا - "أصلح" محرروا الفيلم الحقيقة: لقد أخذوا التصفيق من الكونغرس وغرسوه في قاعة الأمم المتحدة). لقد أرسل إلي أحد ما مقطعا ساخرا جميلا. يقال فيه إنه إذا لم يلغ السنات تعيين هاغل، ستضطر إسرائيل إلى استخدام حق الفيتو الخاص بها. سيكون على مؤيدي هاغل تجنيد أغلبية من 90% من أجل التغلب على الفيتو الإسرائيلي. إذا فشلوا، سيضطر الرئيس أوباما إلى اختيار وزير دفاع آخر من ضمن قائمة من ثلاثة مرشحين يقدمها له نتنياهو. لندع المزاح جانبًا، جهاز الأمن الإسرائيلي ليس خائفا من تعيين هاغل. يبدو أنهم يعلمون هناك أن هاغل يصغي لطلبات إسرائيل. لقد خرج عدد من القادة الإسرائيليين لحمايته. كل هذه القضية كان يمكنها أن تُعتبر لا أهمية فيها، وحتى أنها مسلية، لولا سؤال واحد يطرح نفسه: لماذا في الأساس قام أوباما بتعيين هذا الشخص، الذي يوجد خلاف حوله؟ يوجد لهذا السؤال جواب قاطع: الانتقام. يتميّز أوباما في إخفاء عواطفه. طوال الأشهر التي أيد فيها نتنياهو ميط روماني بشكل علني، لم يرد أوباما على ذلك. لكن لا شك أن غضبه قد تجمع. لقد حان الوقت الآن. لقد عين هاغل وأهان اللوبي الإسرائيلي. يمكن الآن توقع إجراءات أخرى من هذا النوع. كل دفعة صغيرة من قبل الولايات المتحدة يتم الشعور بها في القدس كضربة قاسية. بالمناسبة، أحزاب المعارضة لدينا كان بإمكانها استخدام هذه القضية من أجل اتهام نتنياهو بقلة الكفاءة. كان دعم روماني ببساطة عملاً أحمق. أضف إلى ذلك، أن نتنياهو قد ترعرع في أمريكا ويعرّف نفسه كمختص في الشؤون الأمريكية. ولكن حتى حزب واحد لم يتجرأ على طرح هذا الموضوع، خوفا من اتهامه بعدم الوطنية. لا أعتقد أن الرئيس أوباما سيغير في المستقبل القريب سياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل، باستثناء ضربات عقاب صغيرة كهذه. ولكن إذا رفعنا نظرنا إلى الأفق، ستبدو الصورة مختلفة. منذ الآن هنالك فرق كبير بين أوباما ’أ’ وأوباما ’ب’. عندما تم انتخابه في المرة الأولى، انتخب أوباما دبلوماسيا ذا أقدمية، تشاز فريمان، لمنصب رئيس مجلس المخابرات الوطني. أحدث اللوبي الإسرائيلي الشغب، فقام أوباما بإلغاء التعيين. لقد فضل أن يهين نفسه علنا بدل الخوض في نزاع مع اللوبي. كم يختلف تصرفه الآن! إن هذا التغيير يمكن أن يتعمّق في فترة توليه الثانية وكذلك من بعدها. إن الاحتضان الخانق للوبي في واشنطن يضعف تدريجيا. إنها عملية بطيئة، لكنها مستمرة. لماذا؟ برأيي، إن أحد الأسباب هو أن الشعب اليهودي في أمريكا بدأ يتغيّر. السياسيون الأمريكيون قد بدأوا يشعرون أن السياسيين اليهود بعيدون عن الدعم الجارف للوبي. الـ"الزعماء" اليهود، الذين كلهم تقريبا عينوا أنفسهم، لا يمثلون شخصا عدا مقدار قليل من الوصوليين المهنيين، وبالطبع سفارة إسرائيل والمليارديرات الإسرائيليين. إنهم لا يسيطرون على جمهور الناخبين اليهود. لقد اتضحت هذه الحقيقة عندما دعم نتنياهو روماني والغالبية العظمى من اليهود استمرت في دعم أوباما والحزب الديموقراطي. هذا ليس تطورًا مفاجئًا. منذ سنوات يبتعد اليهود الأمريكيون – وخاصة الشباب منهم – عن المؤسسة. إنهم يعترضون أكثر فأكثر على سياسة الحكومة الإسرائيلية والاحتلال. إنهم يخجلون عندما يرون في الإعلام الأمريكي صور جنود إسرائيليين يضربون فلسطينيين ضعفاء. إنهم يبتعدون بصمت. بصمت، لأنهم يتخوفون من الصدى اللا سامي. يتعلم اليهود من جيل مبكر أننا "نحن اليهود يجب أن نقف معًا" أمام اللا ساميين. أشخاص شجعان قلائل فقط، من بين أوساط المجتمع اليهودي في أمريكا، مستعدون أن ينتقدوا بشكل علني – انتقادًا معتدلا جدًا – إسرائيل. لكن السياسة الأمريكية بدأت في ملائمة نفسها لحقيقة أن قوة اللوبي ترتكز بشكل كبير على الخداع، وأن معظم اليهود الأمريكيين عامة لا يفكرون في إسرائيل عندما يأتون إلى صندوق الاقتراع. يجب أن يكون الأمريكيون من عرق من عروق الملائكة. وإلاّ، فكيف يمكن تفسير صبرهم اللانهائي حيال الحقيقة أن سياسة بلادهم في مجال ضروري مفروضة من قبل دولة أجنبية؟ على الأقل منذ أواخر الخمسينيات، تم تحديد السياسة الشرق أوسطية للولايات المتحدة في القدس. جميع المسؤولين الأمريكيين الذين يعالجونها هم من اليهود. السفير الأمريكي في تل أبيب كان يمكن أن يكون كذلك السفير الإسرائيلي في واشنطن. إنه يتكلم العبرية بطلاقة. استغرب أحيانا إن كانوا في لقاء ممثلي إسرائيل والولايات المتحدة لا يتكلمون أحيانا الإيديش. لقد حذرت عدّة مرات أن ذلك لا يمكن أن يستمر إلى الأبد. عاجلا أم آجلا سيبدأ اللاساميون – جماعة مقرفة جدا – باستغلال الوضع لشراء الشرعية لدى الشعب الأمريكي. يمكن أن يجلب تعجرف أيباك ثمارا غير ناضجة. تتعلق إسرائيل بالولايات المتحدة في جميع المجالات تقريبا – ابتداءً من مجلس الأمن في الأمم المتحدة وانتهاء بميادين القتال في الحروب المستقبلية. لذلك فإن هذا خطر وجودي. يبدو أن اللوبي نفسه قد بدأ يشعر بالخطر. في القضية الحالية، أصبح صوته خافت جدا. إنه لا يريد البروز فيها. أكثر الفصول المحزنة في هذه القضية هي أن جميع "أصدقاء إسرائيل" هؤلاء الذين في الكونغرس وفي الإعلام الأمريكي لا يحتضنون "إسرائيل" في الواقع. إنهم يحتضنون اليمين الإسرائيلي، ومن ضمنه اليمين المتطرف، وحتى اليمين الفاشي. إنهم يساعدون بذلك معسكر اليمين على تثبيت سلطته على الدولة. تلعب السياسة الأمريكية دورًا هامًا في انهيار معسكر السلام الإسرائيلي، وهو انهيار بارز إلى حد كبير في الانتخابات الحالية. أحد الأمثلة: الاستيطان المكثف في الأراضي المحتلة، الذي يهدف إلى تحويل حل الدولتين إلى حل غير ممكن، يتم تمويله من قبل يهود أمريكيين، ممن يحوّلون تبرعاتهم عن طريق مؤسسات أمريكية معفية من الضرائب. بهذه الطريقة تموّل الحكومة الأمريكية بطريقة غير مباشرة تلك المستوطنات، التي تستنكرها بشكل علني. منذ القرن التاسع عشر، يعتاد الصحافيون على كتابة "فرنسا تحتج" أو "ألمانيا تصرح" في حين يقصدون أن "حكومة فرنسا تحتج" وأن "حكومة ألمانيا تصرح". هكذا يقول الإعلام اليوم (أيضا في إسرائيل) أن "إسرائيل" تدفع المستوطنات قدمًا، في حين أنه في الواقع حكومة إسرائيل هي التي تفعل ذلك. تثبت الاستطلاعات الجيدة أن غالبية الإسرائيليين يريدون السلام الذي يرتكز على حل الدولتين – حل تحاول الحكومة الإسرائيلية تقويضه كل يوم. لنعد إلى تشاك هاغل: ستبذل حكومة إسرائيل و"أًصدقاء إسرائيل" كل ما في وسعهم لإحباط تعيينه. أنا أتمنى أن تتم المصادقة على تعيينه، وأن يبشر بسياسة أمريكية جديدة – سياسة دعم لإسرائيل الحكيمة، المنطقية، الليبرالية، العلمانية، الديموقراطية، إسرائيل التي تتوجه إلى السلام مع الشعب الفلسطيني. |