|
||
لكلّ شخص مهتمّ بالسلام الإسرائيلي - الفلسطيني، يكون الإعلان عن مصالحة داخلية فلسطينية بشرى جيّدة. نسمع منذ سنوات من المتحدّثين الإسرائيليين بأنّه لا فائدة من عمل سلام مع نصف الشعب الفلسطيني والاستمرار بالحرب مع النصف الآخر. أبو مازن دجاجة منتوفة الريش، كما قال أريئيل شارون بالنعومة التي كان يتحلى بها. حماس هي صاحبة القرار. وحماس تخطّط لمحرقة أخرى. وفقًا لاتفاق المصالحة الفلسطيني، فإنّ حماس ملزمة الآن بدعم أي حكومة فلسطينية ستتشكّل من خبراء غير سياسيّين، بموافقة كلا الجانبين. وحكومة اليمين المتطرّف التي عندنا تنفجر من الغضب. أبدًا، أبدًا، أبدًا لن تتفاوض مع حكومة فلسطينية تدعمها حماس. حسب رأي الحكومة اليمينيّة، ففي البداية على حماس أن تعترف بإسرائيل، وإيقاف كلّ عملية عنف وأن تلتزم باحترام جميع الاتفاقيات التي وقّعت عليها السلطة الفلسطينية في السابق. لا بأس بهذا، كما يعلن أبو مازن. سأقوم بتعيين الحكومة المقبلة، وهي التي ستتّبع هذه الشروط الثلاثة. الناطق باسم نتنياهو يقولون إنّ هذا لا يكفي. برأيهم الحازم، فعلى حماس نفسها أن تحقّق هذه الشروط الثلاثة، قبل أن نجري محادثة مع حكومة مدعومة من قبلها. كان بإمكان أبي مازن أن يجيب بنفس الأسلوب. لم يكن بإمكانه أن يعلن قبل التوصّل لمحادثات مع حكومة نتنياهو بأنّ على جميع أحزاب الائتلاف أن تعلن عن دعمها بحلّ الدولتين، كما فعل نتنياهو (مرة واحدة ووحيدة، في خطاب بار إيلان). حزبان على الأقلّ، "البيت اليهودي" بزعامة نفتالي بينيت و"إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغدور ليبرمان، وأيضًا قسم كبير من رجال الليكود نفسه، من الممكن أن نتوقّع، أنّهم كانوا سيرفضون هذا الطلب بشدّة. يمكنني أن أتخيّل في نفسي مراسم في الكنيست، يقوم فيها الوزراء، واحدًا تلوَ الآخر، ويلتزمون قائلين: "أعلن أنني أؤيّد تأييدًا تامًّا وصادقًا إقامة دولة فلسطين إلى جانب دولة إسرائيل!" سيأتي المسيح قبل ذلك. لكن ذلك في الحقيقة ليس مهمّا إطلاقًا. إنّ رأي الأحزاب والوزراء ليس مهمّا. الذي يقرّر هو سياسة الحكومة. يكفي أن تعترف الحكومة الفلسطينية القادمة بإسرائيل، تنبذ جميع أعمال العنف وتحترم جميع الاتفاقات التي وُقعت حتّى الآن. لماذا المصالحة الفلسطينية جيّدة للسلام؟ بدايةً، لأنّه من الأفضل أن نقوم بعمل سلام مع شعب كامل وليس مع نصفه. اتفاق السلام مع منظمة التحرير الفلسطينية، دون حماس، سيكون دون معنى حتى قبل أن يتم التوقيع عليه. كانت حماس ستفسده في كلّ فرصة بواسطة أعمال العنف ("الإرهاب" في اللغة الأجنبية). ثانيًا، لأنّ انضمام حماس لمنظمة التحرير الفلسطينية، ثم بعد ذلك إلى الحكومة الفلسطينية، معناه في الواقع أنّ حماس تقبل بسياسة منظمة التحرير الفلسطينية، التي اعترفت منذ وقت طويل بدولة إسرائيل وبتقسيم فلسطين التاريخية. من الجيّد أن نذكر بأنّه قبل اتفاق أوسلو كانت منظمة التحرير الفلسطينية نفسها معرّفة رسميًّا من قبل إسرائيل (والولايات المتحدة) بأنّها تنظيم إرهابي. حين تمّ التوقيع على الاتفاق في حديقة البيت الأبيض كان "الميثاق الوطني الفلسطيني" ما زال ساري المفعول. دعا الميثاق إلى القضاء على دولة إسرائيل وإعادة جميع مواطنيها تقريبًا لبلادهم الأصلية. وخلال سنوات طويلة ادّعى سياسيّونا وأكاديميتنا بأنّ هذا الميثاق يشكّل عقبة في طريق السلام. فقط بعد أن أصبح اتفاق أوسلو ساري المفعول قام المجلس الوطني الفلسطيني في مراسم احتفالية، بحضور الرئيس بيل كلينتون، بإلغاء هذه البنود من الميثاق. لحماس هناك ميثاق مماثل. وسيتمّ تصحيحه هو أيضًا حين تنضمّ حماس للحكومة الفلسطينية. وبالمناسبة، فهذه هي سخرية التاريخ: في الماضي قدّمت إسرائيل دعمًا سرّيا لحماس، كجزء من المعركة ضدّ منظمة التحرير الفلسطينية. حين قمعت الإدارة العسكرية النشاط السياسي في الأراضي المحتلة، بما في ذلك العمل من أجل السلام، فسمحت بالنشاطات التنظيمات الإسلامية في المساجد. سألت مرة رئيس الشاباك السابق إذا ما كان قد أسّس حماس. أجاب قائلا: "لم نؤسّسها، ولكنّنا احتملناه". وكان السبب أنه في تلك الفترة اعتبرت منظمة التحرير الفلسطينية عدوّا. جرتْ ضدّ عرفات، "هتلر الثاني"، حملة لا هوادة فيها من الشيطنة، واعتبر كلّ من حاربه حليفًا. استمرّ هذا التوجّه حتى عام قبل اندلاع الانتفاضة الأولى، حين فهم الشاباك أنّ حماس أكثر خطورة من منظمة التحرير الفلسطينية. حينها فقط بدأ الشاباك بحظر (وبعد ذلك بقتل) زعماء حماس. واليوم هناك حالة من الهدنة غير الرسمية ("تهدئة") بين إسرائيل وحماس. من الواضح أنّ حركة حماس قرّرت بأنّ طموحها كواحدة من أكبر حزبين سياسيين في فلسطين أهم من "الكفاح المسلّح" ضدّ إسرائيل. هدفها الرئيسي هو الوصول إلى السلطة في الدولة الفلسطينية التي ستقوم. كالكثير من حركات التحرّر حول العالم، بما في ذلك "الإتسل" التي كان يتزعّمها مناحيم بيجن، فتتحوّل حماس أيضًا من تنظيم إرهابي إلى حزب سياسي. وكما كان من المتوقع مسبقًا، فقد سارت الولايات المتحدة في أعقاب إسرائيل وتقبّلت السياسة الإسرائيلية بكاملها. لقد هدّدت السلطة الوطنيّة الفلسطينية بالحرب إذا ما تمّ تحقيق اتفاق المصالحة. توقّفت مبادرة السلام الأمريكية بشكل صارخ. والآن يمكننا ويجب أن نقصّ القصة الكاملة. فقد حُكم على مبادرة السلام بالفشل قبل أن تبدأ. لم يكن هناك أيّ احتمال، ولا حتى أدنى احتمال، بأن تنجح. والآن دعونا نحدّد بوضوح كيف انتهت هذه المبادرة، قبل أن يتمّ دفن الحقائق تحت طوفان من الدعاية. لم تنقطع مبادرة السلام لأنّ أبا مازن انضمّ للهيئات الدولية، وليس بسبب المصالحة الفلسطينية، وإنّما بسبب رفض نتنياهو للوفاء بالتزامه الصريح بالإفراج عن أسرى فلسطينيين معيّنين في تاريخ محدّد. بالنسبة للفلسطينيين، فإنّ إطلاق سراح الأسرى هي قضية حساسة من الدرجة الأولى. إنّها تتعلّق بالأفراد وأسرهم. هؤلاء الأسرى المعيّنون، والذي بعضهم مواطنون إسرائيليون، أمضوا في السجن 21 عامًا على الأقل. لا يتسم نتنياهو بشخصية قوية كافية كي يفي بوعده ويواجه منظومة التحريض الوحشية من قبل اليمين المتطرّف. فضّل نتنياهو انتهاء "المفاوضات". أما سلوك جون كيري فيمكن وصفه بالمثير للشفقة. بدأ ذلك مع تعيين مارتن إنديك كمدير للمفاوضات. عمل إنديك في السابق في إيباك، اللوبي الرئيسي لليمين الإسرائيلي. دور إيباك الرئيسي هو ترويع الكونغرس الأمريكي، والذي أعضاء كلا مجلسَيه - مجلس الشيوخ ومجلس النوّاب - يرتعدون من الخوف لدى رؤية ممثليه. إنّ اختيار شخص كهذا كوسيط بين إسرائيل والفلسطينيين كان ببساطة وقاحة. أظهر ذلك للفلسطينيين منذ البداية فورًا ماذا ينتظرهم في المستقبل. كان العمل الوقح الثاني هو افتتاح المحادثات دون تلقّي وعد مسبق من نتنياهو بخصوص التنازلات التي كان مستعدّا لها. خلال كلّ فترة "المفاوضات" رفض الجانب الإسرائيلي أن يضع على الطاولة خارطة للحدود الإسرائيلية الفلسطينية، حتى بعد أن قدّم الفلسطينيون خارطتهم. استمرّت المهزلة لتسعة أشهر، ولم يكن خلالها تقدّم بمليمتر واحد. التقى الطرفان وتحدّثا، وتحدّثا والتقا. لم يوضع شيء على الطاولة أبدًا، فيما عدا الطلب السخيف من نتنياهو بأن يعترف الفلسطينيون بإسرائيل باعتبارها "الوطن القومي للشعب اليهودي". أرادت تسيبي ليفني، السياسية الفاشلة، استمرار المفاوضات حتى نهاية الوقت. أراد الممثّلون الفلسطينيون أيضًا الاستمرار، حتى دون هدف، من أجل تمرير الوقت دون انفجار داخلي. دارت هذه العملية كلها حول نقطة بسيطة واحدة: هل كان الرئيس أوباما مستعدّا لمواجهة هجوم القوات المؤلفة من إيباك، مجلس الشيوخ، مجلس النوّاب، الجمهوريون، الإنجيليون، المؤسسة اليمينيّة اليهودية وجهاز الدعاية الإسرائيلي. من الواضح أنّه إذا كانت الإجابة سلبية؛ كان يحظر على كيري أن يبدأ. وقعت لكيري هذا الأسبوع كارثة: في لقاء شخصي مغلق قال ما هو معروف للجميع: إنه فيما لو استمرّت إسرائيل في طريقها الحالي، فستتحوّل إلى دولة أبارتهايد (فصل عنصري). ليس في ذلك أيّ جديد. استخدم الرئيس السابق جيمي كارتر هذه الكلمة في عنوان لكتابه. في إسرائيل نفسها، يقول المحلّلون المستقلّون واليساريون ذلك كلّ يوم. ولكن اندلع في واشنطن مشهد مروّع. سارع كيري التعيس للاعتذار. لم يكن يقصد. لا سمح الله! يطلب وزير خارجية القوة العظمى في العالم الغفران من إسرائيل الصغيرة. وهكذا جاء لحن الوتر المخزي الأخير. |