|
||
وفقا للبيان الأول للشرطة، فإنّ شابا عربيا يبلغ من العمر 22 عاما واسمه خير الدين حمدان قد هاجم أفراد الشرطة بسكين، ولم يكن لديهم أي خيار سوى إطلاق النار عليه وقتله. ومثل حالات مشابهة كثيرة أخرى، فقد كان بيان الشرطة كذب كلّه. لسوء الحظّ (حظّ الشرطة) تم تصوير الحدث بكاميرا أمنية. لقد أظهرت الصور بوضوح حمدان وهو يقترب إلى سيارة الشرطة ويضرب نوافذها بشيء، ربما سكين. حين أدرك حمدان أنّ ذلك لم ينجح، استدار وبدأ بالابتعاد عن المكان. في تلك اللحظة خرج عناصر الشرطة من السيارة وبدأوا فورا بإطلاق النار على ظهر الشاب، الذي أصيب وسقط أرضا. أحاط عناصر الشرطة به، تشاوروا فيما بينهم ثمّ قاموا بجرّ الشاب الجريح على الأرض إلى السيارة، كما لو كان كيسًا من البطاطا. لقد ألقوا به على أرضية السيارة. ابتعدت السيارة (ربما في طريقها إلى المستشفى)، بينما كانت أقدام عناصر الشرطة على جسد الشخص الذي ينازع أو بجانبه. لقد أظهرت الصور بوضوح، دون أيّ شكّ، بأنّ عناصر الشرطة قد انتهكوا إجراءات اعتقال المشتبه بهم وأوامر إطلاق النار؛ لم تكن حياتهم في خطر، لم يطلقوا صيحات تحذير، لم يطلقوا النار في الهواء أولا، لم يطلقوا النار على الجزء السفلي من جسده، ولم يستدعوا سيارة الإسعاف. نزف الشاب حتى الموت. كان ذلك إعدامًا بدم بارد. وكان هناك احتجاج. نظّم المواطنون العرب إضرابًا عامّا وأحدثوا أعمال شغب في العديد من الأماكن. وتحت ضغط شعبي، كُلّفتْ إدارة التحقيقات مع عناصر الشرطة (التابعة لوزارة العدل) بفتح تحقيق. وقد اكتُشفت منذ البداية بعض الحقائق التي لم تكن معروفة من قبل، والتي فاقمت من خطورة الحادثة. اتّضح أنّه قبل بدء الكاميرا بتصوير ما حدث اعتقل عناصر الشرطة ابن عمّ حمدان ووضعوه في السيارة. ويبدو أنّ خير الدين أراد إطلاق سراح قريبه، ولذلك قام بضرب الزجاج الأمامي للسيارة. رأى المعتقل كيف تمّ إطلاق النار على ابن عمّه وتم إلقاؤه على أرضية السيارة التي جلس بها. كان أول ردّ فعل لقيادة الشرطة هو تبرير سلوك عناصر الشرطة، الذي تم حظر نشر أسمائهم وصورهم. تمّ نقلهم خلسةً إلى وحدة أخرى، وواصلوا هناك وظيفتهم في الشرطة. أقوم بوصف تلك الحادثة بشكل مفصّل، ليس لكونها فريدة من نوعها، ولكن على العكس؛ لأنّها نموذجيّة جدّا. هناك شيء واحد غير عاديّ فقط؛ وهو وجود الكاميرا، التي لم يلحظها أحد. أشاد عدد من الوزراء بالسلوك النموذجي لعناصر الشرطة. يمكننا استثناء مثل هذه الأمور كثرثرات لديماغوغيّين من دعاة الإعلانات، الذين يعتقدون بأنّ ناخبيهم متحمّسون لكلّ قتل لعربيّ. عليهم أن يعرفوا. ولكن هناك جملة واحدة لا يمكن الاستخفاف بها: جملة وزير الأمن الداخلي. قبل بضعة أيام من ذلك، أعلن الوزير يتسحاق أهرونوفيتش، المدعوم من قبل أفيغدور ليبرمان وضابط شرطة سابق، علنيّا أنه يُمنع إبقاء الإرهابي حيّا بعد القيام بعملية انتحارية. وهذا إعلان غير قانوني بشكل جليّ، وربما هو تحريض على تنفيذ الجرائم. وفقا للقانون، يُحظر على عناصر الشرطة إطلاق النار على "الإرهابي"، أو على أي شخص آخر، بعد أنه لم يعد يُشكل خطرًا على الحياة، وخصوصا عندما يكون جريحا. يملك أهرونوفيتش، الذي يبدو دائما شخصا لطيفا، موهبة خاصة في الظهور أمام الكاميرا في كل مكان جرى فيه حادث يجذب الإعلام، مثل حادث طرق خطير، عملية إرهابية أو حريق. والله وحده يعلم كيف يفعل ذلك. الحقيقة هي أنّ وزير الأمن الداخلي (الذي سمّي في الماضي وزير الشرطة) محروم في الواقع من أي دور. منذ عهد الانتداب البريطاني، كان قائد الشرطة هو المفتش العام الشرطة، وهو ضابط محترف، يرتدي الزيّ العسكري. وكانت الوظيفة الشرطيّة الوحيدة للوزير هي التوصية على المفتّش العامّ الجديد للشرطة. ولكن بالنسبة لكل شرطيّ، يعتبر إشعار وزير الشرطة بمثابة أوامر. من المحتمل جدا أن يكون إعلان أهرونوفيتش الفاقد للمسؤولية قد أدى إلى القتل في كفر كنا. وهو الأمر الذي لم يتحفّظ منه لا المفتش العام للشرطة ولا رئيس الحكومة. يذكّرنا كلّ ذلك بالإعلان الكارثي لرئيس الحكومة إسحاق شمير عام 1984، والذي صرّح فيه هو أيضًا بأنّه لا يرغب بإبقاء الإرهابي على قيد الحياة بعد عملية إرهابية. كانت النتيجة المباشرة هي قضية "الحافلة 300"، والتي اختُطفت فيها حافلة من قبل أربعة شبان فلسطينيين غير مسلّحين. تم إيقاف الحافلة، وكذلك قتل اثنين من الخاطفين وقت السيطرة عليها وتم القبض على اثنين آخرين أحياء وبصحّة جيّدة. قتل رئيس الشاباك، أبراهام شالوم، أحدهما بكلتا يديه. لقد سحق جمجمته بحجر. عندما تمّ نشر الصور (بداية من قبل عنات سرغوستي في مجلة "هعولام هذيه") حظي أبراهام شالوم وعناصره على عفو. نفى شامير أية مسؤولية عن القتل. وبالعودة إلى الأحداث الجارية. هل هذه هي الانتفاضة الثالثة، التي توقّعها الكثيرون؟ نعم? لا؟ انشغل ضباط الجيش والشرطة، السياسيون وخصوصا المحلّلون في الإعلام بهذا السؤال. ليست هذه مجرد لعبة دلالية. فللتعريف آثار تنفيذية. في الواقع، فإنّ البلاد كلّها تشتعل فيها ألسنة اللهب الآن. القدس الشرقية المحتلّة هي الآن منطقة حرب، مع مظاهرات يومية، حوادث عنيفة وسفك للدماء. منذ حادثة كفر كنا، ففي إسرائيل نفسها أيضًا ينظّم المواطنون العرب الإضرابات والمظاهرات اليومية. في الضفة الغربية كان هناك بعض المظاهرات، تمّ طعن امرأة يهودية حتى الموت وتم إطلاق النار على رجل عربي حتى قُتل. يعمل أبو مازن بكل ما بوسعه من أجل منع انتفاضة شاملة، والتي قد تشكّل خطرا على نظامه أيضًا. ولكن الضغط من الأسفل آخذ بالازدياد. ولذلك فقد رفض الالتقاء بنتنياهو في عمان. وقد وجدت حكمة الشارع تعريفا لهذا الوضع: "انتفاضة الأفراد". بالنسبة لرؤساء المنظومة الأمنية فهذا كابوس. إنّهم مستعدّون لانتفاضة منظّمة. فهم يعرفون كيف يقمعونها بالقوة، وإنْ لم ينجح ذلك فبالمزيد من القوة. ولكن ما العمل مع انتفاضة جميع أفعالها هي لأفراد، دون أوامر من تنظيم معيّن، ودون مجموعة من عملاء الشاباك يستطيعون اختراقها؟ عربيّ وحيد يستمع إلى الأخبار، يمتلئ بالغضب لتدنيس الأماكن المقدّسة ويدهس بسيّارته المجموعة الأقرب من الجنود أو المدنيين اليهود. أو يأخذ سكينا من مطبخ المطعم الإسرائيلي، والذي يغسل فيه الصحون، ويهاجم المارّة. ليست هناك معلومات مسبقة. ليست هناك شبكة يمكن اختراقها. أمر محبطٌ حقّا. ومركز العاصفة هو الحرم القدسي. المسجد الأقصى ("البعيد")، وهو المكان الثالث من حيث القداسة في الإسلام، محاصر. في إحدى الحالات اقتحم عناصر شرطة إسرائيليون المسجد لملاحقة ملقي الحجارة، وهم يرتدون أحذيتهم، وهذا ذروة الاحتقار والإذلال. إلى أين نحن ذاهبون؟ منذ عشرات السنين تخطّط مجموعة من المتعصّبين اليهود لإقامة الهيكل الثالث في المكان الذي يقع فيه الآن المسجد الأقصى وقبّة الصخرة. إنهم يخيطون الملابس للكهنة ويُعدّون اللازم لتقديم الأضحيات. حتى وقت قريب، كان أولئك المتعصّبون يعتبرون شيئا غريبا وهذا كل شيء. ليس أكثر. دخل عدة وزراء وأعضاء كنيست مؤخرا إلى المجمّع المقدّس من أجل الصلاة، مخالفين الوضع الراهن. أثار ذلك غضب العالم الإسلامي. ردّ الفلسطينيون في القدس الشرقية، في الضفة الغربية، في قطاع غزة وفي إسرائيل بغضب. وعد نتنياهو الملك عبد الله بتهدئة النفوس. في الواقع فقد قام بعكس ذلك. حوّل اليسوع الماء إلى خمر. ونتنياهو يحوّل الماء إلى زيت، ويصبّ الزيت على ألسنة اللهب. |