|
||
نحن نؤمن أن استقلال الشعب الفلسطيني في دولة خاصة به، إلى جانب دولة إسرائيل، هو أساس السلام، ولذلك فهو مهمّ للإسرائيليين كما هو مهمّ للفلسطينيين. تلك هي، بالمناسبة، وجهة نظري منذ حرب 1948. اليمين المتطرّف، الذي حكم إسرائيل في السنوات الأخيرة، يدعو إلى وجهة نظر مخالفة. لأنّه يسعى إلى إقامة "الدولة القومية للشعب اليهودي" على كامل الأراضي بين البحر والأردن، فهو يعارض الدولة الفلسطينية جملةً وتفصيلًا. إذا كان الأمر كذلك، فهذا هو مسار المعركة: إما دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، عاصمتها القدس الشرقية، اتفاق سلام إسرائيلي - فلسطيني، انتهاء الاحتلال، سلام إقليمي بين إسرائيل وجميع العالم العربي والإسلامي؛ أو أرض إسرائيل الكاملة، استمرار الاحتلال، ضمّ الأراضي، المزيد من المستوطنات، التطهير العرقي، الحرب الأبدية. على إسرائيل أن تختار. وليس هي فحسب. على العالم أيضًا أن يختار. في الآونة الأخيرة دعا بعض البرلمانات الأوروبية حكوماته إلى الاعتراف بدولة فلسطين. نحن نريد تشجيع خطوة كهذه. في يوم الجمعة الأخير دعا البرلمان البرتغالي إلى الاعتراف بدولة فلسطين، بعد أن قام بذلك برلمان بريطانيا، إيرلندا، فرنسا وإسبانيا. وقد قام البرلمان الأوروبي، وهو مؤسسة تأثيرها وقوتها آخذان بالازدياد، بذلك يوم الأربعاء. تلك القرارات هي بمثابة توصيات فحسب. ولكن حكومة السويد اعترفت رسميا بدولة فلسطين. كان عندنا من ادعى أنّ هذه هي الحكومة الأولى في الاتحاد الأوروبي التي تقوم بذلك. وهذا خطأ. فقد حازت فلسطين على اعتراف رسمي من قبل الأعضاء التاليين في الاتحاد الأوروبي: بلغاريا، قبرص، تشيكيا، هنغاريا، مالطا، بولندا، رومانيا وسلوفاكيا. ومن بين الدول الأوروبية التي هي ليست عضو في الاتحاد الأوروبي، اعترفت الدول التالية بدولة فلسطين: ألبانيا، أذربيجان، روسيا البيضاء، البوسنة والهرسك، جورجيا، آيسلندا، الجبل الأسود، روسيا، صربيا، تركيا وأوكرانيا. قائمة رائعة جدّا. ولكن هل هذا مهمّ حقّا؟ يحتفي إعلان استقلال الولايات المتحدة بأهمية "الاحترام العادل لرأي البشرية". لا يتضمن إعلان استقلال إسرائيل هذه الجملة، ولكن صياغة الوثيقة تشمل ضمنا بأنّ القصد كان اكتساب تأييد العالم وتحقيق الاعتراف الدبلوماسي العالمي. ومع ذلك، فعندما قرأ دافيد بن غوريون الإعلان في مراسم التأسيس، أعلن بعد ذلك أنّه "ليس مهمّا ماذا يقول الأغيار (غير اليهود)، المهم ماذا يفعل اليهود!" هل صدق؟ هل حقّا ليست هناك أهمية لرأي البشرية؟ من الممكن أن يكون ذلك صحيحا قبل 150 عاما، عندما أعلن بينجامين دزرائيلي عن سياسة "العزلة الرائعة". ولكن في الواقع حينها أيضًا كانت بريطانيا غارقة حتى عنقها في شؤون أوروبا والعالم. ومن ذلك الحين تغيّر العالم تماما. أصبحت الحكومات أكثر ديمقراطية. وسّع التعليم الجماعي كثيرا قاعدة الرأي العام. عزّزت وسائل الاتصال التي لم يحلموا بها الشفافية. هناك من يتحدث عن "القرية العالمية". هناك تأثير كبير للرأي العام على السياسيين في البلاد الديمقراطية، وأيضا في الديكتاتوريات. عندما يتقدّم الرأي العام، تنجذب الحكومات خلفه. هناك نتائج دبلوماسية، اقتصادية، وأيضا عسكرية لذلك، والتي سيتجاهلها الأحمق فقط. الأداة المفضلة للتعبير عن "رأي البشرية" هو منظمة الأمم المتحدة. عندما تم تأسيس دولة إسرائيل، خاضت صراعا صعبا من أجل الانضمام إلى الأمم المتحدة. إعلان استقلالنا، الذين وعد بالديمقراطية والحقوق المتساوية لجميع المواطنين، لعب دورا مهمّا في هذا الصراع. ومع ذلك، اعتاد بن غوريون أن يدعو الأمم المتحدة بازدراء "أوم - شموم". لم يتغيّر هذا التعامل في السنوات الأربعين الأخيرة. كان قادة إسرائيل متأكدين من أنّ الولايات المتحدة ستفرض حقّ النقض على مجلس الأمن الذي لم تعجبه القدس، بغض النظر عن المضمون. لو طُلب من الأمم المتحدة الموافقة على الوصايا العشر رغما عن إرادة إسرائيل، لكان الأمريكيون سيفرضون حقّ النقض على هذا القرار أيضًا. والآن، للمرة الأولى في تاريخ الأمم المتحدة، قد يتغيّر ذلك. ألمحت الولايات المتحدة أنّها من الممكن ألا تفرض حقّ النقض على اقتراح قرار لمجلس الأمن تعارضه الحكومة الإسرائيلية بشدّة. غير معقول! ألا يوجد فيتو أمريكي؟ هذا أشبه بأن نقول إنّ الشمس قد لا تشرق غدًا! كيف، ماذا حدث؟ الإجابة الأكثر بساطة هي أنّ بنيامين نتنياهو أصبح مملّا لدى باراك أوباما، كما أصبح مملّا لدى الكثير من الآخرين. حرق رئيس حكومتنا جسرا واحدا أكثر من اللازم. أهان نتنياهو رئيس الولايات المتحدة في كلّ فرصة. لقد أطلق كلاب الإيباك ليهاجموا الرئيس. وقد قام بالأمر الأكثر سوءًا مما يمكن فعله بالنسبة لسياسي: لقد دعم صراحةً خصوم أوباما في المعركتين الانتخابيتين الأمريكيتين الأخيرتين. إنّ دعم نتنياهو لترشّح ميت رومني كان بمثابة فضيحة. عمل نتنياهو وفقا لأوامر صاحبه، عملاق الكازينوهات شيلدون أديلسون، صاحب المائة (مليار). وفي المقابل موّل أديلسون "إسرائيل اليوم"، الصحيفة اليومية المجانية التي هدفها الوحيد هو دعم نتنياهو. في الآونة الأخيرة، في انتخابات "نصف الولاية"، دعم الإيباك من جديد الجمهوريين وساعدهم على تحويل مجلس الشيوخ الأمريكي إلى حصن ضدّ أوباما. صمت أوباما. ولكنه ليس مخلوقا فوق بشري، فحلُمَ بالانتقام. لقد شجّع بشكل سرّي الأوروبيين على دعم الجهود السياسية الفلسطينية. والآن بدأ يُلمّح أن أمريكا قد لا تستخدم حقّ النقض. والحديث عن اقتراح فلسطيني في مجلس الأمن، والذي يقضي بأن يتم تحقيق حلّ للصراع خلال عام، حيث ينتهي الاحتلال خلال ثلاث سنوات، وتقوم دولة فلسطينية وتكون القدس عاصمة لكلا الدولتين. بالنسبة لليمين الإسرائيلي، فهذه نهاية العالم. هناك أيضًا اقتراح فرنسي، والذي هو نسخة أخفّ لذات الفكرة. قبل عام واحد فحسب لم يكن بالإمكان التفكير باقتراحات كهذه. إنها تعكس العزلة غير الرائعة إطلاقا والتي تغلق على إسرائيل. ليس هناك سياسي يحبّ التغييرات المتطرّفة. على مدى 41 سنة متتالية فرضت واشنطن حقّ النقض من أجل إسرائيل (ومن أجل إسرائيل فقط). إنّ عدم فرض حقّ النقض سيمثّل خطوة ثورية. قد يكون لذلك تأثيرا كبيرا على السياسية الداخلية الأمريكية وقد يمسّ بفرص هيلاري كلينتون في الترشّح للرئاسة. (ربما يكون هذا إغراء آخر لأوباما). يتعلق الأمر بالمصالح الاستراتيجية الأهم بالنسبة لأمريكا. يعيش العالم العربي في حالة من الفوضى، ولكنه لا يزال يدعم الشعب الفلسطيني بالإجماع، على الأقل في الجبهة الدبلوماسية. أمريكا بحاجة إلى مشاركة الحكومات العربية في ائتلاف ضدّ داعش. فرض حقّ النقض ضدّ الفلسطينيين في هذا الوقت قد يمسّ بجميع الحكومات العربية الداعمة لأمريكا. الأردن، على سبيل المثال، والسعودية أيضًا ومصر. جون كيري، جون المسكين، يركض ويلتقي مع جميع العالم وزوجته بحثا عن وسيلة للخروج من الفخّ. فهو يهدّد أبي مازن بإيقاف التمويل الحيوي للفلسطينيين. ولكن أبي مازن يقول له، بصدق، إنّه لم يعد لديه ما يخسره. إذا لم يكن باستطاعته أن يُري الشعب الفلسطيني في أقرب وقت إنجازات حقيقية فمن الممكن أن تنفجر الضفة الغربية. من الممكن أن تتفكّك السلطة الفلسطينية. نتنياهو أيضًا يائس. لقد سافر إلى روما من أجل الالتقاء بشكل شخصي مع كيري. كان ذلك لقاء عاصفا جدا. ويبدو أن لقاء كيري مع القيادي الفلسطيني صائب عريقات كان عاصفا أكثر، وتضمن صراخًا وضربًا على الطاولة. سافر شمعون بيريس، الذي لم يعد له منصب ولكنه بقي متملّقا لليمين، إلى باريس من أجل الالتقاء بلوران فابيوس، وزير الخارجية اليهودي (الذي تنصّر)، كي لا يقدّم اقتراحه لمجلس الأمن. تسيبي ليفني، التي نسيت أنّها أقيلت من الحكومة وأنّها الآن في المعارضة، اتصلت هاتفيا بكيري من أجل دعم نتنياهو. وافق كيري هذه الفكرة وطلب من الجميع أن يفعلوا كل شيء من أجل تأجيل الموضوع إلى ما بعد الانتخابات في إسرائيل. ماذا، التدخّل في انتخابات دولة أخرى؟ لا سمح الله! من يفعل عملا خسيسا كهذا؟ ولكن كل ما ستفعله الولايات المتحدة أو لا تفعله سيمثّل تدخّلا بانتخاباتنا. إذا استخدمت حق النقض، فسيكون ذلك دعما واضحا لليمين المتطرّف في إسرائيل. سيثبت ذلك أنّ نتنياهو كان على حقّ طوال الوقت، بأنّ أمريكا حقّا موضوعة في جيبنا، وبأنّ عزل إسرائيل هو أسطورة، وبأنّنا نستطيع الاستمرار بما نفعله الآن: الاحتلال، المستوطنات وغيرها. إذا لم تستخدم أمريكا حقّ النقض (وتمتنع عن التصويت، على سبيل المثال) وقبل مجلس الأمن قرارا لصالح الفلسطينيين ولصالح السلام، فسيثبت ذلك أنّ اليسار كان على حقّ عندما ادعى بأنّ هناك أهمية لـ "رأي البشرية"، وبأنّ عزل إسرائيل يصل إلى مستويات خطيرة، وبأنّه يجب تغيير هذه الحكومة وهذه السياسة على وجه السرعة. أطلق أوباما هذا الأسبوع قنبلة دولية: بعد 56 عاما على العداء الشرس بين الولايات المتحدة وكوبا، أعلن عن تجدّد العلاقات بين كلا البلدين. يُظهر ذلك بأنّه قرّر استغلال العامين اللذين تبقّيا له في الحكم، حيث لم يعد قادرا على الترشّح من جديد على أية حال، من أجل القيام بالأشياء التي خشي القيام بها حتى الآن. يمكنه الآن تجاهل الكونغرس والجمهوريين والقيام بكلّ ما يحلو له. بإمكان أوباما أن يقرّر التصرّف بشكل حاسم في هذين العامين من أجل السلام الإسرائيلي - الفلسطيني. أتمنى ذلك. |