|
||
كان أورن حزان أبرزهم. فهو عضو كنيست غير جدير بالاحترام، ويشغل منصبا للمرة الأولى، ومعروف بموهبتة في الإثارة والتصرّف بشكل مبتذل. لقد نجح في التسلّل إلى صفّ الوزراء. عندما اقترب الرئيس ترامب من حزان، سحب حزان هاتفه المحمول والتقط صورة سلفي مع الرئيس. لم يكن أمام ترامب المندهش أي مناص إلا أن يوافق. خلال ثوان انتشرت الصورة في أنحاء العالم. يبدو أنّه في الولايات المتحدة تحديدا لم تترك الصورة انطباعا كبيرا. ولكن حزان كان فخورا. عززت هذه الحادثة صورته أكثر من المحاكمة، التي لم يُثبَت فيها أنّه أهتم بتشغيل مومسات لخدمة زبائن الكازينو الخاص به في بلغاريا. يبدو ذلك التصرف وكأنّ شخصا ما أراد أن يثبت أنّني كنت صادقا في مقالي الذي نشرته قبل أسبوع، عندما تحدّثت عن "الرعاع البرلمانيين" في الكنيست الحالي. ينطبق هذا اللقب على أورن حزان تماما. كان في هذا الأسبوع رئيسان اسمهما ترامب. ترامب الأول الذي تجوّل في منطقتنا وحظي بمجد عظيم في كل مكان. وبقي ترامب الثاني في واشنطن، وتلقّى فيها الانتقادات من كل حدب وصوب. لقد اتُّهم بعدم الكفاءة، وتحدث البعض عن الحاجة إلى إقالته. مقارنة بمشاكله في الولايات المتحدة، تشكل حكايات ألف ليلة وليلة في منطقتنا وهما لا نهائيا. في البداية، زار ترامب السعودية. وعرضت مملكة الصحراء وجهها الأكثر أصالة. وبدت العائلة المالكة، المؤلفة من مئات الأمراء (الأميرات غير مهمات) تحقيقا لحلم غامض. استُقبل ترامب بحفاوة. حتى ميلانيا، المتواضعة والصامتة كالعادة، سُمح لها بالحضور (في هذه البلاد لا يُسمح للنساء فيها بقيادة السيارات). من المعتاد لدى ملوك الشرق تبادل الهدايا. أهدت السعودية لترامب صفقة سلاح بـ 1.1 تريليون دولار، حيث ستوفّر الكثير من أماكن العمل للعمال الأمريكيين، بالإضافة إلى استثمارات كبيرة في المصانع الأمريكية. بعد انتهاء الزيارة القصيرة، التي تضمنت لقاء مع مجموعة كبيرة من الحكام العرب، غادر ترامب السعودية وهو يشعر بحماس تجاه العرب. بعد رحلة جوية مدتها ساعتين، هبط ترامب وعقيلته في عالم مختلف تماما: دولة إسرائيل. ليست هناك حدود مشتركة بين السعودية وإسرائيل. في الواقع، في مكان واحد - في خليج إيلات - هناك شريط أردني ضيّق طوله عدة كيلومترات يفصل بين كلا البلدين، ولكن كان بإمكانهما أن تقعا في كوكبين مختلفين. إسرائيل هي النقيض التامّ لمملكة الصحراء الرومانسية، ويشكل فيها صيد الصقور ثروة، وتحظى الخيول الأصيلة بالإعجاب، ولكن النساء لا تخرجن من البيوت. إسرائيل هي مكان ركيك جدا. وقد تعرّف ترامب منذ الدقائق الأولى إلى مستوى ركاكتها. قبل مراسم الاستقبال في المطار اضطرّ بنيامين نتنياهو إلى تهديد وزرائه، الذين لم يرغبوا بالمشاركة فيها. كان الطقس حارّا جدا. لا يحبّ الإسرائيليون أبدا ارتداء البدلات الداكنة السميكة. فضلا عن أنّ الطقس في المطار كان حارّا بشكل خاصّ. (نصيحة متواضعة لاتباعها في مناسبات شبيهة في المستقبَل: ربما يفضّل إقامة خيمة مهوّاة في مثل هذه الأيام الحارة في المطار). ولكن اعتبارات الكرامة تغلّبت على كل شيء. شارك كل الوزراء، وليس هم فقط. لقد شارك أيضا أعضاء كنيست عاديون وتسلل أمثالهم إلى صفّ المستضفين. في نظر الضيوف بدا الصفّ، بالطبع، لا نهائيا. كان أورن حزان فقط واحدا من بين الكثيرين، رغم أنه كان بالتأكيد الأكثر غرابة للأطوار. لم يرغب المستقبلون بمصافحة الضيوف فحسب، بل أراد كل واحد منهم أن يقول للرئيس الضيف شيئا مهما. اضطرّ ترامب المسكين إلى الاستماع بأدب إلى كل واحد منهم، حيث تحدثوا عن أهمية القدس. نقل وزير الأمن الداخلي خبرا عاجلا أكثر: شن هجوم إرهابي في تل أبيب. ولكن اتّضح لاحقا أنّ الحديث يدور عن مجرّد حادث طرق. كيف حدث ذلك، هل لا يجوز للوزير أن يخطئ؟ كلمة واحدة عن السيّدات. أعتقد أنّ ميلانيا ترامب التزمت في عقد زواجها بالصمت في مثل هذه المناسبات. أو كما يقال في الأفلام: "كوني جميلة واصمتي". ومن ثمّ فقد وقفت هناك كالتمثال، طويلة، نحيلة، بينما كانت تنظر إلى الكاميرات. بالمقابل، مثّلت سارة نتنياهو النقيض التامّ. لم تكن نحيلة ونبيلة مثل ميلانيا. ولم تصمت إطلاقا. على العكس، لم تكفّ عن الحديث. يبدو أن لديها دافع قهري بأن تتصدر مركز كل حدث. عندما التقط مكبر الصوت بضع كلمات في حديث صغير لسارة، سُمعت أقوالها وهي تتحدث أمام ضيوفها عن أن كل غرف بيت رئيس الحكومة قد تم طلاؤها مجددا استقبالا لهم. لم تكن محادثة راقية تماما. (أعتقد أنّه من المفضّل ألا تقف سارة إلى جانب ملكة جمال عالمية مثل ميلانيا. مجرّد تعبير عن رأيي). ذكّرني كلّ ذلك بمذكّرات الحاكم البريطاني الأول للقدس قبل نحو مائة عام. غزا البريطانيون البلاد وبعد فترة قصيرة من ذلك نشروا تصريح بلفور، حيث وعدوا فيه بإقامة وطن قومي يهودي في البلاد. حتى لو كان هذا التصريح يشكل ذريعة لضمّ البلاد إلى الإمبراطورية البريطانية، فإنّ البريطانيين قد أحبّوا البلاد حقّا. لقد كانوا أصدقاء اليهود أيضًا. ليس لوقت طويل. التقى ضباط الإدارة يهودا وعربا، فأحبوا العرب. تشكل حرفة الاستضافة جزءا من الثقافة العربية وهي تقاليد قديمة. أحبّ البريطانيون الشهامة العربية. ولكن أحب البريطانيون الناشطين الصهاينة أقل، حيث جاء معظمهم من أوروبا الشرقية، ولم يكفّوا للحظة عن المطالب والشكاوى. لقد تحدّث أولئك اليهود وجادلوا كثيرا. لم تكن لديهم خيول أصيلة، صقور، وآداب شرقية. في النهاية كان هناك القليل فقط من الحكام البريطانيين الذين أحبّوا اليهود. تطرقا إلى المحتوى السياسي لزيارة ترامب: دارت مسابقة من الأكاذيب. ترامب يعرف كيف يكذب. ولكن ليس في وسعه مباراة نتنياهو في الكذب. تحدث ترامب عن السلام كثيرا. بما أنه لا يعرف المشاكل، فيبدو أنّه يقصد ذلك حقا. فهو نجح في إعادة كلمة "سلام" إلى الحوار العام، بعد أن حذفها الإسرائيليون تماما. يفضّل الإسرائيليون، بما في ذلك نشطاء السلام المعتمدين، الحديث الآن عن "الفصل" و "الانفصال". يحبّ نتنياهو السلام، ولكن هناك أمور يحبّها أكثر مثلا، ضمّ المناطق، والمستوطنات. في أحد خطابات نتنياهو خلال الزيارة اختفى مقطع منه، ويبدو أنّه لم ينتبه أحد غيري إلى ذلك. لقد قال إنّ إسرائيل ستسيطر على الأمن في كل البلاد (أي، من البحر إلى النهر) فقط. معنى ذلك: احتلال أبدي، من خلال جعل السلطة الفلسطينية بمثابة بانتوستان. لم ينتبه ترامب. السلام ليس مجرّد كلمة. فهو يشير إلى حالة سياسية، ونفسية في حالات أخرى. وصل ترامب إلى إسرائيل ولديه انطباع أنّ السعوديين قد اقترحوا عليه للتوّ صفقة: تحرّر إسرائيل فلسطين، ويصبح العرب السنة وإسرائيل عائلة سعيدة واحدة، ويقاتل الجميع معا إيران الشريرة. إنها فكرة رائعة. إلا أنّ نتنياهو لا يحلم بتحرير فلسطين، ويعتقد أن إيران لا تهمه. فهو يريد الاحتفاظ بالقدس الشرقية، بالضفة الغربية وأيضًا - بطريقة غير مباشرة - بقطاع غزة. إذن فقد عاد ترامب إلى وطنه، سعيدا وراضيا. وخلال أيام قليلة ستُنسى هذه الزيارة كلها تماما. بينما سنظلّ نحن هنا، وسنضطر إلى حلّ مشاكلنا بأنفسنا. |